كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 7)
وَرَجَعْتُمْ إِلَى الْحَقِّ الْوَاجِبِ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ , فَشَكَرْتُمُوهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِهِ فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَهَالِيكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ , بِالْإِنَابَةِ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَالِاعْتِصَامِ بِهِ , وَإِخْلَاصِكُمْ أَعْمَالَكُمْ لِوَجْهِهِ , وَتَرْكِ رِيَاءَ النَّاسِ بِهَا , وَآمَنْتُمْ بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَدَّقْتُمُوهُ وَأَقْرَرْتُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ فَعَمِلْتُمْ بِهِ. يَقُولُ: لَا حَاجَةُ بِاللَّهِ أَنْ يَجْعَلَكُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ إِنْ أَنْتُمْ أَنَبْتُمْ إِلَى طَاعَتِهِ وَرَاجَعْتُمُ الْعَمَلَ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَتَرَكَ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَلِبُ بِعَذَابِكُمْ إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا يَدْفَعُ عَنْهَا ضَرًّا , وَإِنَّمَا عُقُوبَتُهُ مَنْ عَاقَبَ مِنْ خَلْقِهِ جَزَاءٌ مِنْهُ لَهُ عَلَى جَرَاءَتِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى خِلَافِهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَكُفْرَانِهِ شُكْرَ نِعَمِهِ عَلَيْهِ. فَإِنْ أَنْتُمْ شَكَرْتُمْ لَهُ عَلَى نِعَمِهِ وَأَطَعْتُمُوهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ , فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى تَعْذِيبِكُمْ , بَلْ يَشْكُرُ لَكُمْ مَا يَكُونُ مِنْكُمْ مِنْ طَاعَةٍ لَهُ وَشُكْرٍ , بِمُجَازَاتِكُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَا تَقْصُرُ عَنْهُ أَمَانِيِّكُمْ فَلَمْ تَبْلُغْهُ آمَالُكُمْ. {وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا} [النساء: 147] لَكُمْ وَلِعِبَادِهِ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ بِإِجْزَالِهِ لَهُمُ الثَّوَابَ عَلَيْهَا , وَإِعْظَامِهِ لَهُمُ الْعِوَضَ مِنْهَا. {عَلِيمًا} [النساء: 11] بِمَا تَعْمَلُونَ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ وَغَيْرُكُمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَصَالِحٍ وَطَالِحٍ , مُحْصٍ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْكُمْ مُحِيطٌ بِجَمِيعِهِ , حَتَّى يُجَازِيَكُمْ جَزَاءَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ. وَقَدْ:
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ , قَالَ: ثنا يَزِيدُ , قَالَ: ثنا سَعِيدٌ , عَنْ قَتَادَةَ: {§مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: 147] قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُعَذَّبُ شَاكِرًا وَلَا مُؤْمِنًا»
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} [النساء: 148]-[625]- اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءَ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ بِضَمِّ الظَّاءِ , وَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) بِفَتْحِ الظَّاءِ , ثُمَّ اخْتَلَفَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِضَمِّ الظَّاءِ فِي تَأْوِيلِهِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنْ يَجْهَرَ أَحَدُنَا بِالدُّعَاءِ عَلَى أَحَدٍ , وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ هُوَ الْجَهْرُ بِالسُّوءِ {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] يَقُولُ: " إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فَيَدْعُو عَلَى ظَالِمِهِ , فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ , لِأَنَّهُ قَدْ رَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ
الصفحة 624