كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 7)

اللَّهُ أَيُّهَا النَّاسُ أَنْ يَجْهَرَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] بِمَعْنَى: إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا أُسِيءَ إِلَيْهِ , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , دَخَلَ فِيهِ إِخْبَارُ مَنْ لَمْ يُقْرَ أَوْ أُسِيءَ قِرَاهُ , أَوْ نِيلَ بِظُلْمٍ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ عَنْوَةً مِنْ سَائِرِ النَّاسِ , وَكَذَلِكَ دُعَاؤُهُ عَلَى مَنْ نَالَهُ بِظُلْمٍ؛ أَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ , لِأَنَّ فِي دُعَائِهِ عَلَيْهِ إِعْلَامًا مِنْهُ لِمَنْ سَمِعَ دُعَاءَهُ عَلَيْهِ بِالسُّوءِ لَهُ , وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَـ «مَنْ» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ , لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَمَّا قَبْلَهُ , وَأَنَّهُ لَا أَسْمَاءَ قَبْلَهُ يُسْتَثْنَى مِنْهَا , فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} [الغاشية: 23] . وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} [النساء: 148] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا لِمَا يَجْهَرُونَ بِهِ مِنْ سُوءِ الْقَوْلِ لِمَنْ يَجْهَرُونَ لَهُ بِهِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَصْوَاتِكُمْ وَكَلَامِكُمْ , عَلِيمًا بِمَا تُخْفُونَ مِنْ سُوءِ قَوْلِكُمْ وَكَلَامِكُمْ لِمَنْ تُخْفُونَ لَهُ بِهِ , فَلَا تَجْهَرُونَ لَهُ بِهِ , مُحْصٍ كُلَّ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيَكُمْ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ جَزَاءَكُمُ الْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ وَالْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء: 149] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {إِنْ تُبْدُوا} [البقرة: 271] أَيُّهَا النَّاسُ خَيْرًا يَقُولُ: إِنْ تَقُولُوا جَمِيلًا مِنَ الْقَوْلِ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ , فَتُظْهِرُوا ذَلِكَ

الصفحة 632