كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 7)
شُكْرًا مِنْكُمْ لَهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ حُسْنٍ إِلَيْكُمْ , {أَوْ تُخْفُوهُ} [البقرة: 284] يَقُولُ: " أَوْ تَتْرُكُوا إِظْهَارَ ذَلِكَ فَلَا تُبْدُوهُ , {أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ} [النساء: 149] يَقُولُ: " أَوْ تَصْفَحُوا لِمَنْ أَسَاءَ إِلَيْكُمْ عَنْ إِسَاءَتِهِ , فَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي قَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ أَنْ تَجْهَرُوا لَهُ بِهِ. {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا} [النساء: 149] يَقُولُ: " لَمْ يَزَلْ ذَا عَفْو عَنْ خَلْقِهِ , يَصْفَحُ لَهُمْ عَمَّنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ. {قَدِيرًا} [النساء: 133] يَقُولُ: " ذَا قُدْرَةٍ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ. وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ ذَا عَفْو مِنْ عِبَادِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى عِقَابِهِمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ. يَقُولُ: فَاعْفُوا أَنْتُمْ أَيْضًا أَيُّهَا النَّاسُ عَمَّنْ أَتَى إِلَيْكُمْ ظُلْمًا , وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ وَإِنْ قَدَرْتُمْ عَلَى الْإِسَاءَةِ إِلَيْهِ , كَمَا يَعْفُو عَنْكُمْ رَبُّكُمْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى عِقَابِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ وَتُخَالِفُونَ أَمْرَهُ. وَفِي قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء: 149] الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] بِخِلَافِ التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي زَعْمِهِ أَنَّ مَعْنَاهُ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ لِأَهْلِ النِّفَاقِ , إِلَّا مَنْ أَقَامَ عَلَى نِفَاقِهِ , فَإِنَّهُ لَا بَأْسُ بِالْجَهْرِ لَهُ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ عُقَيْبَ ذَلِكَ: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ} [النساء: 149] وَمَعْقُولٌ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَأْمُرِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَفْوِ عَنِ الْمُنَافِقِينَ عَلَى نِفَاقِهِمْ , وَلَا نَهَاهُمْ أَنْ يُسَمُّوا مَنْ كَانَ
الصفحة 633