كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 7)

مِنْهُمْ مُعْلِنَ النِّفَاقِ مُنَافِقًا , بَلِ الْعَفْو عَنْ ذَلِكَ مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ مَعْقُولٌ , لِأَنَّ الْعَفْوَ الْمَفْهُومَ إِنَّمَا هُوَ صَفْحُ الْمَرْءِ عَمَّا لَهُ قَبْلَ غَيْرِهِ مِنْ حَقٍّ , وَتَسْمِيَةُ الْمُنَافِقِ بِاسْمِهِ لَيْسَ بِحَقٍّ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ فَيُؤْمَرُ بِعَفْوِهِ عَنْهُ , وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ لَهُ , وَغَيْرُ مَفْهُومٍ الْأَمْرُ بِالْعَفْوِ عَنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا هُوَ اسْمُهُ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 151] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [النساء: 150] مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى {وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ} [النساء: 150] بِأَنْ يُكَذِّبُوا رُسُلَ اللَّهِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَى خَلْقِهِ بِوَحْيِهِ , وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمُ افْتَرَوْا عَلَى رَبِّهِمْ , وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى إِرَادَتِهِمُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ , بِنِحْلَتِهِمْ إِيَّاهُمُ الْكَذِبَ وَالْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ , وَادِّعَائِهِمْ عَلَيْهِمُ الْأَبَاطِيلَ. {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ} [النساء: 150] يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: نُصَدِّقُ بِهَذَا وَنُكَذِّبُ بِهَذَا , كَمَا فَعَلَتِ الْيَهُودُ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ عِيسَى وَمُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقِهِمْ بِمُوسَى وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ بِزَعْمِهِمْ , وَكَمَا فَعَلَتِ النَّصَارَى مِنْ تَكْذِيبِهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقِهِمْ بِعِيسَى وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ بِزَعْمِهِمْ. {وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [النساء: 150] يَقُولُ: " وَيُرِيدُ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ , الزَّاعِمُونَ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضٍ ويَكْفُرُونَ

الصفحة 634