كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 7)

عِنْدِ اللَّهِ مِنْ شَرَائِعَ دِينِهِ {وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} [النساء: 152] يَقُولُ: " وَلَمْ يُكَذِّبُوا بَعْضَهُمْ , وَيُصَدِّقُوا بَعْضَهُمْ , وَلَكِنَّهُمْ أَقَرُّوا أَنَّ كُلَّ مَا جَاءُوا بِهِ مِنْ عِنْدَ رَبِّهِمْ حَقٌّ. {أُولَئِكَ} [البقرة: 5] يَقُولُ: " هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ {سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ} [النساء: 152] يَقُولُ: " سَوْفَ يُعْطِيهِمْ {أُجُورَهُمْ} [آل عمران: 57] يَعْنِي: جَزَاءَهُمْ , وَثَوَابَهُمْ عَلَى تَصْدِيقِهِمُ الرُّسُلَ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ وَشَرَائِعِ دِينِهِ وَمَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} [النساء: 96] يَقُولُ: " يَغْفِرُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِهِ مَا سَلَفَ لَهُ مِنْ آثَامِهِ , فَيَسْتُرُ عَلَيْهِ بِعَفْوِهِ لَهُ عَنْهُ وَتَرْكِهِ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ لِذُنُوبِ الْمُنِيبِينَ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ {غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 23] يَعْنِي: وَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ رَحِيمًا بِتَفَضُّلِهِ عَلَيْهِمُ الْهِدَايَةَ إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَتَوْفِيقِهِ إِيَّاهُمْ لِمَا فِيهِ خَلَاصُ رِقَابِهِمْ مِنَ النَّارِ.
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا} [النساء: 153] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {يَسْأَلُكَ} [النساء: 153] يَا مُحَمَّدُ {أَهْلُ الْكِتَابِ} [البقرة: 105] يَعْنِي بِذَلِكَ: أَهْلَ التَّوْرَاةِ مِنَ الْيَهُودِ {أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} [النساء: 153] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْكِتَابِ الَّذِي سَأَلَ الْيَهُودُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَأَلُوهُ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ مَكْتُوبًا , كَمَا جَاءَ -[639]- مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالتَّوْرَاةِ مَكْتُوبَةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.

الصفحة 638