كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 8)

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ , قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ , قَالَ: ثني حَجَّاجٌ , عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: {§أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] قَالَ: «الْعُهُودُ الَّتِي أَخَذَهَا اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا جَاءَهُمْ»
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ , قَالَ: ثني اللَّيْثُ , قَالَ: ثني يُونُسُ , قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ: قَرَأْتُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى نَجْرَانَ , فَكَانَ الْكِتَابُ عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ , فِيهِ: هَذَا بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ {§يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] فَكَتَبَ الْآيَاتِ مِنْهَا , حَتَّى بَلَغَ: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عمران: 199] وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ , وَأَنَّ مَعْنَاهُ: أَوْفُوا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِعُقُودِ اللَّهِ الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَيْكُمْ وَعَقَدَهَا , فِيمَا أَحَلَّ لَكُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ , وَأَلْزَمَكُمْ فَرْضَهُ , وَبَيَّنَ لَكُمْ حُدُودَهُ " وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَقْوَالِ , لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ الْبَيَانَ عَمَّا أَحَلَّ لِعِبَادِهِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ وَمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَرَائِضِهِ , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] أَمْرٌ مِنْهُ عِبَادَهُ بِالْعَمَلِ بِمَا أَلْزَمَهُمْ مِنْ -[12]- فَرَائِضِهِ وَعُقُودِهِ عُقَيْبَ ذَلِكَ , وَنَهْي مِنْهُ لَهُمْ عَنْ نَقْضِ مَا عَقَدَهُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ , مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] أَمْرٌ مِنْهُ بِالْوَفَاءِ بِكُلِّ عَقْدٍ أَذِنَ فِيهِ , فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تَقُومَ حُجَّةٌ بِخُصُوصِ شَيْءٍ مِنْهُ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا. فَإِذْ كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كَمَا وَصَفْنَا , فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ وَجَّهُ ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى الْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِبَعْضِ الْعُقُودِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِالْوَفَاءِ بِهَا دُونَ بَعْضٍ " وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَوْفُوا} [المائدة: 1] فَإِنَّ لِلْعَرَبِ فِيهِ لُغَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَوْفُوا , مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَوْفَيْتُ لِفُلَانٍ بِعَهْدِهِ أُوفِي لَهُ بِهِ؛ وَالْأُخْرَى مِنْ قَوْلِهِمْ: وَفَّيْتُ لَهُ بِعَهْدِهِ أَفِي. وَالِإِيفَاءُ بِالْعَهْدِ: إِتْمَامُهُ عَلَى مَا عُقِدَ عَلَيْهِ مِنْ شُرُوطِهِ الْجَائِزَةِ "

الصفحة 11