كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 8)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ , عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ , فَلَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ , صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ , قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ , عَنْ مِسْعَرٍ , عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ " فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ , دَلَالَةٌ عَلَى خِلَافِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ -[162]- نَدْبًا لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَصْحَابِهِ , وَخُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى الْوُجُوبِ؛ فَقَدْ ظَنَّ غَيْرَ الصَّوَابِ , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا وَكَذَا , مُحْتَمَلٌ مِنْ وُجُوهٍ لِأَمْرِ الْإِيجَابِ وَالْأَرْشَادِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْإِطْلَاقِ , وَإِذْ كَانَ مُحْتَمِلًا مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَوْجُهِ , كَانَ أَوْلَى وُجُوهِهِ بِهِ مَا عَلَى صِحَّتِهِ الْحُجَّةُ مُجْمِعَةٌ دُونَ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى صِحَّتِهِ بُرْهَانٌ يُوجِبُ حَقِّيَّةَ مُدَّعِيهِ. وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْحُجَّةُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُوجِبْ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَلَى عِبَادِهِ فَرْضَ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ , فَفِي إِجْمَاعِهَا عَلَى ذَلِكَ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ إِيثَارِهِ فِعْلَ مَا نَدَبَهُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ إِلَى فِعْلِهِ وَنَدَبَ إِلَيْهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] الْآيَةُ , وَأَنَّ تَرْكَهُ فِي ذَلِكَ الْحَالِ الَّتِي تَرَكَهُ كَانَ تَرْخِيصًا لِأُمَّتِهِ وَإِعْلَامًا مِنْهُ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ وَلَا لَازِمٍ لَهُ وَلَا لَهُمْ , إِلَّا مَنْ حَدَثٍ يُوجِبُ نَقْضَ الطُّهْرِ. وَقَدْ رُوِيَ بِنَحْو مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ:
الصفحة 161