كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 8)

§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة: 1] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ , أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ. فَذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِمْ مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ , فَ غَيْرَ مَنْصُوبٌ عَلَى قَوْلِ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ عَلَى الْحَالِ مِمَّا فِي قَوْلِهِ: {أَوْفُوا} [المائدة: 1] , مِنْ ذِكْرِ الَّذِينَ آمَنُوا. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ: أَوْفُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِعُقُودِ اللَّهِ الَّتِي عَقَدَهَا عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِهِ , لَا مُحِلِّينَ الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ " وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ الْوَحْشِيَّةِ مِنَ الظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ وَالْحُمُرِ , غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ: غَيْرَ مُسْتَحِلِّي اصْطِيَادِهَا , وَأَنْتُمْ حُرُمٌ , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ. فَ غَيْرَ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْكَافِ وَالْمِيمِ اللَّتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: {لَكُمْ} [البقرة: 22] بِتَأْوِيلِ: أُحِلَّتْ لَكُمْ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ , لَا مُسْتَحِلِّي اصْطِيَادِهَا فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ كُلُّهَا , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ , إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا وَحْشِيًّا , فَإِنَّهُ صَيْدٌ فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ. فَكَأَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ , وَجَّهَ الْكَلَامَ إِلَى مَعْنَى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ كُلُّهَا , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ , إِلَّا مَا يُبَيَّنُ لَكُمْ مِنْ وَحْشِيِّهَا , غَيْرَ مُسْتَحِلِّي اصْطِيَادِهَا فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ , فَتَكُونُ {غَيْرَ} [الفاتحة: 7] مَنْصُوبَةً عَلَى قَوْلِهِمْ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْكَافِ وَالْمِيمِ فِي قَوْلِهِ: {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1]

الصفحة 18