كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 8)

بِمَسْحِهِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: مَسَحَ بِرَأْسِهِ , فَقَدْ أَدَّى مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ مَسْحِ ذَلِكَ لِدُخُولِهِ فِيمَا لَزِمَهُ اسْمُ مَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ إِذَا قَامَ إِلَى صَلَاتِهِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ قَالَ فِي التَّيَمُّمِ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [النساء: 43] أَفَيُجْزِئُ الْمَسْحُ بِبَعْضِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ؟ قِيلَ لَهُ: كُلُّ مَا مُسِحَ مِنْ ذَلِكَ بِالتُّرَابِ فِيمَا تَنَازَعَتْ فِيهِ الْعُلَمَاءُ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُجْزِيهِ ذَلِكَ مِنَ التَّيَمُّمِ , وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُجْزِئُهُ , فَهُوَ مُجْزِئُهُ , لِدُخُولِهِ فِي اسْمِ الْمَاسِحِينَ بِهِ. وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مُجْمَعًا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُجْزِئُهُ , فَمُسَلَّمٌ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الْحُجَّةُ نَقْلًا عَنْ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ إِذْ كَانَ مِنْ قَوْلِنَا: إِنَّ مَا جَاءَ فِي آي الْكِتَابِ عَامًّا فِي مَعْنًى فَالْوَاجِبُ الْحُكْمُ بِهِ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَخُصَّهُ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ , فَإِذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ مَا خُصَّ مِنْهُ خَارِجًا مِنْ ظَاهِرِهِ , وَحُكْمُ سَائِرِهِ عَلَى الْعُمُومِ. وَقَدْ بَيَّنَّا الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ صِحَّةَ الْقَوْلِ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالرَّأْسُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بِالْمَسْحِ بِقَوْلِهِ بِهِ: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} هُوَ مَنَابِتُ شَعْرِ الرَّأْسِ دُونَ مَا جَاوَزَ ذَلِكَ إِلَى الْقَفَا مِمَّا اسْتُدْبِرَ , وَدُونَ مَا انْحَدَرَ عَنْ ذَلِكَ مِمَّا اسْتَقْبَلَ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ إِلَى الْجَبْهَةِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ: -[189]- وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ نَصَبًا. فَتَأْوِيلُهُ: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ , فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ , وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ , وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ. وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ كَانَ مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ , وَتَكُونُ الْأَرْجُلُ مَنْصُوبَةً , عَطْفًا عَلَى الْأَيْدِي. وتَأَوَّلَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ , أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَمَرَ عِبَادَهُ بِغُسْلِ الْأَرْجِلِ دُونَ الْمَسْحِ بِهَا

الصفحة 188