كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 8)

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ , قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ , عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ , عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ , قَالَ: جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ , فَحَدَّثَهُمْ فَقَالَ: {§أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: 1] : صَيْدًا , {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] : فَهُوَ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. يَعْنِي: بَقَرَ الْوَحْشِ وَالظِّبَاءِ وَأَشْبَاهَهُ "
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ , قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ , فِي قَوْلِهِ: {§أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] قَالَ: «الْأَنْعَامُ كُلُّهَا حِلٌّ إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا وَحْشِيًّا , فَإِنَّهُ صَيْدٌ , فَلَا يَحِلُّ إِذَا كَانَ مُحْرِمًا» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عَلَى مَا تَظَاهَرَ بِهِ تَأْوِيلُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: 1] مِنْ أَنَّهَا الْأَنْعَامُ وَأَجِنَّتِهَا وَسِخَالِهَا , وَعَلَى دَلَالَةِ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ , فَقَدْ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَحْوَالِكُمْ , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ تَحْرِيمُهُ مِنَ الْمَيْتَةِ مِنْهَا وَالدَّمِ وَمَا أُهِلَّ -[20]- لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1] لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ: إِلَّا الصَّيْدَ , لَقِيلَ: إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنَ الصَّيْدِ غَيْرَ مُحِلِّيهِ , وَفِي تَرْكِ اللَّهِ وَصْلَ قَوْلِهِ: {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1] بِمَا ذَكَرْتُ , وَإْظِهَارُ ذِكْرِ الصَّيْدِ فِي قَوْلِهِ: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: 1] أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1] خَبَرٌ مُتَنَاهِيَةٌ قِصَّتُهُ , وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: 1] مُنْفَصِلٌ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: 1] مَقْصُودًا بِهِ قَصْدُ الْوَحْشِ , لَمْ يَكُنْ أَيْضًا لِإِعَادَةِ ذِكْرِ الصَّيْدِ فِي قَوْلِهِ: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: 1] وَجْهٌ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ قَبْلُ , وَلَقِيلَ: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ , غَيْرَ مُحِلِّيهِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ. وَفِي إِظْهَارِهِ ذِكْرُ الصَّيْدِ فِي قَوْلِهِ: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: 1] أَبْيَنُ الدَّلَالَةِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ الْعَرَبَ رُبَّمَا أَظْهَرِتْ ذِكْرَ الشَّيْءِ بِاسْمِهِ وَقَدْ جَرَى ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ؟ قِيلَ: ذَلِكَ مَنْ فَعَلَهَا ضَرُورَةُ شِعْرٍ , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْفَصِيحِ الْمُسْتَعْمَلِ مِنْ كَلَامِهِمْ , وَتَوْجِيهُ كَلَامِ اللَّهِ إِلَى الْأَفْصَحِ مِنْ لُغَاتِ مَنْ نَزَلَ كَلَامُهُ بِلُغَتِهِ أَوْلَى مَا وُجِدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ مِنْ صَرْفِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ " فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذَنْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِعُقُودِ اللَّهِ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْكُمْ , مِمَّا حَرَّمَ وَأَحَلَّ , لَا مُحِلِّينَ الصَّيْدَ فِي حَرَمِكُمْ , فَفِيمَا أَحَلَّ لَكُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الْمُذَكَّاةِ دُونَ مِيتَتِهَا مُتَّسَعٌ لَكُمْ وَمُسْتَغْنًى عَنِ الصَّيْدِ فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ "

الصفحة 19