كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 8)
وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِقَوْلِهِ: {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} [المائدة: 2] قَوْلُ عَطَاءٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَوْجِيهِهِ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى: لَا تُحِلُّوا حُرُمَاتِ اللَّهِ , وَلَا تُضِيعُوا فَرَائِضَهُ , لِأَنَّ الشَّعَائِرَ جَمْعُ شَعِيرَةٍ , وَالشَّعِيرَةُ: فَعِيلَةٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَدْ شَعَرَ فُلَانٌ بِهَذَا الْأَمْرِ: إِذَا عَلِمَ بِهِ , فَالشَّعَائِرُ: الْمَعَالِمُ مِنْ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: لَا تَسْتَحِلُّوا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَعَالِمَ اللَّهِ , فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَعَالِمُ اللَّهِ كُلُّهَا فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ , مِنْ تَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ إِصَابَتَهُ فِيهَا عَلَى الْمُحْرِمِ , وَتَضْيِيعُ مَا نَهَى عَنْ تَضْيِيعِهِ فِيهَا , وَفِيمَا حَرَّمَ مِنَ اسْتِحْلَالِ حُرُمَاتِ حَرَمِهِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ , لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ مَعَالِمِهِ وَشَعَائِرِهِ الَّتِي جَعَلَهَا أَمَارَاتٍ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ , يُعْلَمُ بِهَا حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ وَأَمْرُهُ وَنَهْيُهُ " وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ الْقَوْلَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} [المائدة: 2] لِأَنَّ اللَّهَ نَهَى عَنِ اسْتِحْلَالِ شَعَائِرِهِ وَمَعَالِمِ حُدُودِهِ , وَإِحْلَالِهَا نَهْيًا عَامًا مِنْ غَيْرِ اخْتِصَاصِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ دُونَ شَيْءٍ , فَلَمْ يُجِزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُوَجِّهَ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى الْخُصُوصِ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا , وَلَا حُجَّةَ بِذَلِكَ كَذَلِكَ "
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2] وَلَا تَسْتَحِلُّوا الشَّهْرَ الْحَرَامَ بِقِتَالِكُمْ بِهِ أَعْدَاءَكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ , وَهُوَ -[25]- كَقَوْلِهِ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ "
الصفحة 24