كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 8)
آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} [المائدة: 87] ، قَالَ: «§لَا تَعْتَدُوا إِلَى مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى الِاعْتِدَاءِ: تَجَاوَزُ الْمَرْءِ مَالَهُ إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ عَمَّ بِقَوْلِهِ: {لَا تَعْتَدُوا} [البقرة: 190] النَّهْيَ عَنِ الْعُدْوَانِ كُلِّهِ، كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْكُومًا لِمَا عَمَّهُ بِالْعُمُومِ حَتَّى يَخُصَّهُ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ. وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّى حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ مِمَّا أَحَلَّ أَوْ حَرَّمَ، فَمَنْ تَعَدَّاهُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ مَنْ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190] ، وَغَيْرُ مُسْتَحِيلٌ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَالرَّهْطِ الَّذِينَ هَمُّوا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ تَحْرِيمِ بَعْضِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَيَكُونُ مُرَادًا بِحُكْمِهَا كُلَّ مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُمْ مِمَّنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ، أَوْ أَحَلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، أَوْ تَجَاوَزَ حَدًّا حَدَّهُ اللَّهُ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ هَمُّوا بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ تَحْرِيمِ بَعْضِ مَا أَحَلَّ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا عُوتِبُوا عَلَى مَا هَمُّوا بِهِ مِنْ تَجَاوِزِهِمْ مَا سَنَّ لَهُمْ وَحَّدَ إِلَى غَيْرِهِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا مِمَّا رِزْقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [المائدة: 88] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ نَهَاهُمْ أَنْ يُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ: {كُلُوا} [البقرة: 57] أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ الَّذِي رَزَقَكُمْ وَأَحَلَّهُ لَكُمْ حَلَالًا طَيِّبًا:
الصفحة 615