كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 8)
يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {ذَلِكَ} [البقرة: 2] هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ لَكُمْ أَنَّهُ {كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] مِنْ إِطْعَامِ الْعَشَرَةِ الْمَسَاكِينِ أَوْ كِسْوَتِهِمْ أَوْ تَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ، وَصِيَامِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ إِذَا لَمْ تَجِدُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، هُوَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمُ الَّتِي عَقَّدْتُمُوهَا {إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا} [المائدة: 89] أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا {أَيْمَانَكُمْ} [البقرة: 225] أَنْ تَحْنَثُوا فِيهَا ثُمَّ تُضَيِّعُوا الْكَفَّارَةَ فِيهَا بِمَا وَصَفْتُهُ لَكُمْ {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ} [البقرة: 242] كَمَا بَيْنَ لَكُمْ كَفَّارَةَ أَيْمَانِكُمْ، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ جَمِيعَ آيَاتِهِ، يَعْنِي: أَعْلَامَ دِينِهِ، فَيُوَضِّحُهَا لَكُمْ، لِئَلَّا يَقُولَ الْمُضَيِّعُ الْمُفَرِّطُ فِيمَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ: لَمْ أَعْلَمْ حُكْمَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 52] يَقُولُ: لِتَشْكُرُوا اللَّهَ عَلَى هِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ وَتَوْفِيقِهِ لَكُمْ.
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] وَهَذَا بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلَّذِينَ حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ النِّسَاءَ وَالنَّوْمَ وَاللَّحْمَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَبُّهًا مِنْهُمْ بِالْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابَهُ يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] فَنَهَاهُمْ بِذَلِكَ عَنْ تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا تَعْتَدُوا أَيْضًا فِي حِدُودِي، فَتُحِلُّوا مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَكُمْ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا غَيْرُ جَائِزٍ لَكُمْ تَحْرِيمُ مَا حَلَلْتُ، وَإِنِّي لَا أُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ عَنِ الَّذِي حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِمَّا إِذَا اسْتَحَلُّوهُ وَتَقَدَّمُوا عَلَيْهِ كَانُوا مِنَ الْمُعْتَدِينَ فِي حُدُودِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِنَّ الْخَمْرَ الَّتِي تَشْرَبُونَهَا، وَالْمَيْسِرَ الَّذِي تَتَيَاسَرُونَهُ، وَالْأَنْصَابَ الَّتِي تَذْبَحُونَ عِنْدَهَا، وَالْأَزْلَامَ الَّتِي
الصفحة 655