كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 8)
يَقُولُ: فَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْكُمْ بِالنِّذَارِةِ غَيْرُ إِبْلَاغِكُمُ الرِّسَالَةَ الَّتِي أُرْسِلَ بِهَا إِلَيْكُمْ، مُبَيَّنَةً لَكُمْ بَيَانًا يُوَضِّحُ لَكُمْ سَبِيلَ الْحَقِّ وَالطَّرِيقَ الَّذِي أُمِرْتُمْ أَنْ تَسْلُكُوهُ، وَأَمَّا الْعِقَابُ عَلَى التَّوْلِيَةِ وَالِانْتِقَامِ بِالْمَعْصِيَةِ، فَعَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ دُونَ الرُّسُلِ. وَهَذَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِيدٌ لِمَنْ تَوَلَّى عَنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، يَقُولُ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ عَنْ أَمْرِي وَنَهْيِي، فَتَوَقَّعُوا عِقَابِي وَاحْذَرُوا سَخَطِي.
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 93] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ قَالُوا إِذْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ بِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] : كَيْفَ بِمَنْ هَلَكَ مِنْ إِخْوَانِنَا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا وَبِنَا وَقَدْ كُنَّا نَشْرَبُهَا: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [المائدة: 93] مِنْكُمْ حَرَجٌ فِيمَا شَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَالِ الَّتِي لَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ، {إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [المائدة: 93] ، يَقُولُ: إِذَا مَا اتَّقَى اللَّهَ الْأَحْيَاءُ مِنْهُمْ، فَخَافُوهُ وَرَاقَبُوهُ فِي اجْتِنَابِهِمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ، وَصَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيمَا أَمَرَاهُمْ وَنَهَاهُمْ، فَأَطَاعُوهُمَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة: 25] يَقُولُ: وَاكْتَسَبُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِمَّا كَلَّفَهُمْ بِذَلِكَ رَبُّهُمْ {ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا} [المائدة: 93] يَقُولُ: ثُمَّ خَافُوا اللَّهَ وَرَاقَبُوهُ بِاجْتِنَابِهِمْ مَحَارِمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّكْلِيفِ أَيْضًا، فَثَبَتُوا عَلَى اتِّقَاءِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَلَمْ يُغَيِّرُوا وَلَمْ يُبَدِّلُوا {ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} [المائدة: 93] يَقُولُ: ثُمَّ خَافُوا اللَّهَ، فَدَعَاهُمْ خَوْفُهُمُ اللَّهَ إِلَى الْإِحْسَانِ، وَذَلِكَ
الصفحة 664