كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 8)

§وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ} [البقرة: 178] فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَمَنْ تَجَاوَزَ حَدَّ اللَّهِ الَّذِي حَدَّهُ لَهُ بَعْدَ ابْتِلَائِهِ بِتَحْرِيمِ الصَّيْدِ عَلَيْهِ وَهُوَ حَرَامٌ، فَاسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْهُ بِأَخْذِهِ وَقَتْلِهِ {فَلَهُ عَذَابٌ} [البقرة: 178] مِنَ اللَّهِ {أَلِيمٌ} [البقرة: 10] يَعْنِي: مُؤْلِمٌ مُوجِعٌ.
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [المائدة: 95] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} [المائدة: 95] الَّذِي بَيَّنْتُ لَكُمْ، وَهُوَ صَيْدُ الْبَرِّ دُونَ صَيْدِ الْبَحْرِ {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] يَقُولُ: وَأَنْتُمْ مُحْرِمُونَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَالْحُرُمُ: جَمْعُ حَرَامٍ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، تَقُولُ: هَذَا رَجُلٌ حَرَامٌ، وَهَذِهِ امْرَأَةٌ حَرَامٌ، فَإِذَا قِيلَ مُحْرِمٌ، قِيلَ لِلْمَرْأَةِ مُحْرِمَةٌ. وَالْإِحْرَامُ: هُوَ الدُّخُولُ فِيهِ، يُقَالُ: أَحْرَمَ الْقَوْمُ: إِذَا دَخَلُوا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، أَوْ فِي الْحَرَمِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ مُحْرِمُونَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] فَإِنَّ هَذَا إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ حُكْمَ الْقَاتِلِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ الصَّيْدَ الَّذِي نَهَاهُ عَنْ قَتْلِهِ مُتَعَمِّدًا ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ الْعَمْدِ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ بِهِ الْكَفَّارَةَ وَالْجَزَاءَ فِي قَتْلِهِ الصَّيْدَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْعَمْدُ لِقَتْلِ الصَّيْدِ مَعَ نِسْيَانِ قَاتِلِهِ إِحْرَامَهُ فِي حَالِ قَتْلِهِ، وَقَالَ: إِنْ قَتَلَهُ وَهُوَ ذَاكِرٌ إِحْرَامَهُ مُتَعَمِّدًا قَتْلَهُ فَلَا حُكْمَ عَلَيْهِ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ. قَالُوا: وَهَذَا أَجَلُّ أَمْرًا مِنْ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ أَوْ يَكُونَ لَهُ كَفَّارَةٌ

الصفحة 673