كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 8)

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: " كَانَ رَجُلٌ عَلَى نَاقَةٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَأَبْصَرَ ظَبْيًا يَأْوِي إِلَى أَكَمَةٍ، فَقَالَ: لَأَنْظُرُ أَنَا أَسْبِقُ إِلَى هَذِهِ الْأَكَمَةِ أَمْ هَذَا الظَّبْي؟ فَوَقَعَتْ عَنْزٌ مِنَ الظِّبَاءِ تَحْتَ قَوَائِمِ نَاقَتِهِ فَقَتَلَتْهَا. فَأَتَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، §فَحَكَمَ عَلَيْهِ هُوَ وَابْنُ عَوْفٍ عَنْزًا عَفْرَاءَ قَالَ: وَهِيَ الْبَيْضَاءُ
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، أَنَّ رَجُلًا، أَوْطَأَ ظَبْيًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَأَتَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَإِلَى جَنْبِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَكَلَّمَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الرَّجُلِ فَقَالَ: «§أَهْدِ عَنْزًا عَفْرَاءَ»
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «§مَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ مِنْ شَيْءٍ لَمْ يَمْضِ فِيهِ حُكُومَةٌ، اسْتَقْبَلَ بِهِ، فَيَحْكُمُ فِيهِ ذَوَا عَدْلٍ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَبَشِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا، يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ، أَصَابَ وَلَدَ أَرْنَبٍ، فَقَالَ: §فِيهِ وَلَدُ مَاعِزٍ فِيمَا أَرَى أَنَا. ثُمَّ قَالَ لِي: أَكَذَاكَ؟ فَقُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ مِنِّي، فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95]
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ بَكْرٍ، أَنَّ رَجُلَيْنِ، أَبْصَرَا ظَبْيًا وَهُمَا مُحْرِمَانِ، فَتَرَاهَنَا، وَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ -[695]- سَبَقَ إِلَيْهِ. فَسَبَقَ إِلَيْهِ أَحَدُهُمَا، فَرَمَاهُ بِعَصَاهُ فَقَتَلَهُ. فَلَمَّا قَدِمَا مَكَّةَ أَتَيَا عُمَرَ يَخْتَصِمَانِ إِلَيْهِ وَعِنْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا قِمَارٌ، وَلَا أُجِيزُهُ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: مَا تَرَى؟ قَالَ: شَاةً، فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ. فَلَمَّا قَفَّى الرَّجُلَانِ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا دَرَى عُمَرُ مَا يَقُولُ حَتَّى سَأَلَ الرَّجُلَ، فَرَدَّهُمَا عُمَرُ فَقَالَ: §إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِعُمَرَ وَحْدَهُ فَقَالَ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] وَأَنَا عُمَرُ، وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ " وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يَنْظُرُ الْعَدْلَانِ إِلَى الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فَيُقَوِّمَانِهِ قِيمَتُهُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ يَأْمُرَانِ الْقَاتِلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِذَلِكَ مِنَ النَّعَمِ هَدْيًا. فَالْحَاكِمَانِ فِي قَوْلِ هَؤُلَاءِ بِالْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِمَا لِتَقْوِيمِ الصَّيْدِ قِيمَتَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ فِيهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَا مَضَى قَبْلُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ مِنْ شَيْءٍ حُكِمَ فِيهِ قِيمَتُهُ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ مُتَفَقِّهَةِ الْكُوفِيِّينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {هَدْيًا} [المائدة: 95] فَإِنَّهُ مَصْدَرٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ} [المائدة: 95] ، وَقَوْلُهُ: {بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] مِنْ نَعْتِ الْهَدْيِ وَصِفَتِهِ. وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُنْعَتَ بِهِ وَهُوَ مُضَافٌ إِلَى مَعْرِفَةٍ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّكِرَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] يَبْلُغُ الْكَعْبَةَ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُضَافًا فَمَعْنَاهُ التَّنْوِينُ، لِأَنَّهُ بِمَعْنَى -[696]- الِاسْتِقْبَالِ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] فَوَصَفَ بِقَوْلِهِ: {مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] عَارِضًا، لِأَنَّ فِي {مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] مَعْنَى التَّنْوِينِ، لِأَنَّ تَأْوِيلَهُ الِاسْتِقْبَالُ، فَمَعْنَاهُ: هَذَا عَارِضٌ يُمْطِرُنَا، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]

الصفحة 694