كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 9)

رَسُولِنَا الَّذِي أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِإِنْذَارِكُمْ عِقَابَنَا بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ وَإِعْذَارِنا إِلَيْكُمْ بِمَا فِيهِ قَطْعُ حُجَجَكُمْ، إِلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْكُمْ رِسَالَتَنَا، ثُمَّ إِلَيْنَا الثَّوَابُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَعَلَيْنَا الْعِقَابُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ يَقُولُ: وَغَيْرُ خَفِيٍّ عَلَيْنَا الْمُطِيعُ مِنْكُمُ الْقَابِلُ رِسَالَتَنَا الْعَامِلُ بِمَا أَمَرْتُهُ بِالْعَمَلِ بِهِ، مِنَ الْعَاصِي التَّارِكِ الْعَمَلَ بِمَا أَمَرْتُهُ بِالْعَمَلِ بِهِ، لَأَنَّا نَعْلَمُ مَا عَمِلَهُ الْعَامِلُ مِنْكُمْ فَأَظْهَرَهُ بِجَوَارِحِهِ وَنَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ وَمَا تَكْتُمُونَ يَعْنِي: مَا تُخْفُونَهُ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ إِيمَانٍ وَكُفْرٍ أَوْ يَقِينٍ وَشَكٍّ وَنِفَاقٍ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ضَمَائِرِ الصُّدُورِ وَظَوَاهِرِ أَعْمَالِ النُّفُوسِ، مِمَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَبِيَدِهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، فَحَقِيقٌ أَنْ يُتَّقَى وَأَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى.
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطِّيبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: لَا يَعْتَدِلُ الرَّدِيءُ وَالْجَيِّدُ، وَالصَّالِحُ وَالطَّالِحُ، وَالْمُطِيعُ وَالْعَاصِي وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ يَقُولُ: لَا يَعْتَدِلُ الْعَاصِي وَالْمُطِيعُ لِلَّهِ عِنْدَ اللَّهِ وَلَوْ كَثُرَ أَهْلُ الْمَعَاصِي فَعَجِبْتَ مِنْ كَثْرَتِهِمْ، لِأَنَّ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الْفَائِزُونَ بِثَوَابِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ قَلُّوا دُونَ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ، وَإِنَّ أَهْلَ مَعَاصِيهِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ الْخَائِبُونَ وَإِنْ كَثُرُوا. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا تَعْجَبَنَّ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يَعْصِي اللَّهَ فَيُمْهِلُهُ وَلَا يُعَاجِلُهُ بِالْعُقُوبَةِ فَإِنَّ الْعُقْبَى الصَّالِحَةَ لِأَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ عِنْدَهُ دُونَهُمْ
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [المائدة: 100] قَالَ: " §-[13]- الْخَبِيثُ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ وَالطَّيِّبُ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ ". وَهَذَا الْكَلَامُ وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُهُ مَخْرَجَ الْخِطَابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْمُرَادُ بِهِ بَعْضَ أَتْبَاعِهِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 100]

الصفحة 12