كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 9)
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 21] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ أَشَدُّ اعْتِدَاءً، وَأَخْطَأُ فِعْلًا، وَأَخْطَلُ قَوْلًا {مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الأنعام: 21] ، يَعْنِي: مِمَّنِ اخْتَلَقَ عَلَى اللَّهِ قِيلَ بَاطِلٍ، وَاخْتَرَقَ مِنْ نَفْسِهِ عَلَيْهِ كَذِبًا، فَزَعَمَ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا مِنْ خَلْقِهِ وَإِلَهًا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ، أَوِ ادَّعَى لَهُ وَلَدًا أَوْ صَاحِبَةً كَمَا قَالَتْهُ النَّصَارَى {أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} [الأنعام: 21] يَقُولُ: أَوْ كَذَّبَ بِحُجَجِهِ وَأَعْلَامِهِ وَأَدِلَّتِهِ الَّتِي أَعْطَاهَا رُسُلَهُ عَلَى حَقِيقَةِ نُبُوَّتِهِمْ كَذَّبَتْ بِهَا الْيَهُودُ. {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 21] يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْقَائِلُونَ عَلَى اللَّهِ الْبَاطِلَ، وَلَا يُدْرِكُونَ الْبَقَاءَ فِي الْجِنَانِ، وَالْمُفْتَرُونَ عَلَيْهِ الْكَذِبَ وَالْجَاحِدُونَ بِنُبُوَّةِ أَنْبِيَائِهِ.
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 22] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، وَالْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ، لَا يُفْلِحُونَ الْيَوْمَ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا، يَعْنِي: وَلَا فِي الْآخِرَةِ. فَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ قَدِ اسْتَغْنَى بِذِكْرِ مَا ظَهَرَ عَمَّا حَذَفَ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي الدُّنْيَا، {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} [الأنعام: 22] فَقَوْلُهُ: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ} [الأنعام: 22] ، مَرْدُودٌ عَلَى الْمُرَادِ فِي الْكَلَامِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ
الصفحة 188