كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 9)

§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 135] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} [الأنعام: 135] : فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أَيُّهَا الْكَفَرَةُ بِاللَّهِ عِنْدَ مُعَايَنَتِكُمُ الْعَذَابَ، مَنِ الَّذِي تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ مِنَّا وَمِنْكُمْ، يَقُولُ: مَنِ الَّذِي يُعَقِّبُ دُنْيَاهُ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْهَا أَوْ شَرٌّ مِنْهَا بِمَا قَدَّمَ فِيهَا مِنْ صَالِحِ أَعْمَالِهِ أَوْ سَيِّئِهَا. ثُمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَقَالَ: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 21] يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَنْجَحُ وَلَا يَفُوزُ بِحَاجَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْ عَمِلَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْعَمَلِ فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ مَعْنَى ظُلْمِ الظَّالِمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَفِي (مَنْ) الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {مَنْ تَكُونُ} [الأنعام: 135] لَهُ وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ: الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالنَّصْبُ بِقَوْلِهِ: {تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22] لِإِعْمَالِ الْعِلْمِ فِيهِ، وَالرَّفْعُ فِيهِ أَجْوَدُ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أَيُّنَا لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ، فَالِابْتِدَاءُ فِي مَنْ أَصَحُّ وَأَفْصَحُ مِنْ إِعْمَالِ الْعِلْمِ فِيهِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الأنعام: 136] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ لِرَبِّهِمْ {مِمَّا ذَرَأَ} [الأنعام: 136]-[569]- خَالِقُهُمْ، يَعْنِي: مِمَّا خَلَقَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ، يُقَالُ مِنْهُ: ذَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ يَذْرَؤُهُمْ ذَرْأً وَذَرْوًا: إِذَا خَلَقَهُمْ. نَصِيبًا: يَعْنِي قِسْمًا وَجُزْءًا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ النَّصِيبِ الَّذِي جَعَلُوا لِلَّهِ وَالَّذِي جَعَلُوهُ لِشُرَكَائِهِمْ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالشَّيْطَانِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ جُزْءًا مِنْ حُرُوثِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ يُقَرِّرُونَهُ لِهَذَا، وَجُزْءًا لِهَذَا

الصفحة 568