كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا} [الأنعام: 136] إِلَى {يَحْكُمُونَ} [الأنعام: 136] ، قَالَ: " §كَانُوا يَقْسِمُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ قِسْمًا فَيَجْعَلُونَهُ لِلَّهِ، وَيَزْرَعُونَ زَرْعًا فَيَجْعَلُونَهُ لِلَّهِ، وَيَجْعَلُونَ لِآلِهَتِهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ، فَمَا خَرَجَ لِلْآلِهَةِ أَنْفَقُوهُ عَلَيْهَا، وَمَا خَرَجَ لِلَّهِ تَصَدَّقُوا بِهِ فَإِذَا هَلَكَ الَّذِي يَصْنَعُونَ لِشُرَكَائِهِمْ وَكَثُرَ الَّذِي لِلَّهِ، قَالُوا: لَيْسَ بُدٌّ لِآلِهَتِنَا مِنْ نَفَقَةٍ، وَأَخَذُوا الَّذِي لِلَّهِ فَأَنْفَقُوهُ عَلَى آلِهَتِهِمْ، وَإِذَا أَجْدَبَ الَّذِي لِلَّهِ وَكَثُرَ الَّذِي لِآلِهَتِهِمْ، قَالُوا: لَوْ شَاءَ أَزْكَى الَّذِي لَهُ، فَلَا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِمَّا لِلْآلِهَةِ. قَالَ اللَّهُ: لَوْ كَانُوا صَادِقِينَ فِيمَا قَسَمُوا لِبِئْسَ إِذًا مَا حَكَمُوا أَنْ يَأْخُذُوا مِنِّي وَلَا يُعْطُونِي. فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الأنعام: 136] وَقَالَ آخَرُونَ: النَّصِيبُ الَّذِي كَانُوا يَجْعَلُونَهُ لِلَّهِ فَكَانَ يَصِلُ مِنْهُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَأْكُلُونَ مَا ذَبَحُوا لِلَّهِ حَتَّى يُسَمُّوا الْآلِهَةَ، وَكَانُوا مَا ذَبَحُوهُ لِلْآلِهَةِ يَأْكُلُونَهُ وَلَا يُسَمُّونَ اللَّهَ عَلَيْهِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {§وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا} [الأنعام: 136] حَتَّى بَلَغَ: {وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ} [الأنعام: 136] ، قَالَ: " كُلُّ شَيْءٍ جَعَلُوهُ لِلَّهِ مِنْ ذَبْحٍ يَذْبَحُونَهُ لَا يَأْكُلُونَهُ أَبَدًا حَتَّى يَذْكُرُوا مَعَهُ أَسْمَاءَ الْآلِهَةِ، وَمَا كَانَ لِلْآلِهَةِ لَمْ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ مَعَهُ. وَقَرَأَ الْآيَةَ حَتَّى بَلَغَ: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الأنعام: 136]-[573]- وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ، مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَنْ قَالَ بِمِثْلِ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لِلَّهِ مِنْ حَرْثِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ قِسْمًا مُقَدَّرًا، فَقَالُوا: هَذَا لِلَّهِ، وَجَعَلُوا مِثْلَهُ لِشُرَكَائِهِمْ، وَهُمْ أَوْثَانُهُمْ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: هَذَا لِشُرَكَائِنَا، وَإِنَّ نَصِيبَ شُرَكَائِهِمْ لَا يَصِلُ مِنْهُ إِلَى اللَّهِ، بِمَعْنَى: لَا يَصِلُ إِلَى نَصِيبِ اللَّهِ، وَمَا كَانَ لِلَّهِ وَصَلَ إِلَى نَصِيبِ شُرَكَائِهِمْ. فَلَوْ كَانَ وصُولُ ذَلِكَ بِالتَّسْمِيَةِ وَتَرْكِ التَّسْمِيَةِ، كَانَ أَعْيَانُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَصِلْ جَائِزًا أَنْ تَكُونَ قَدْ وَصَلَتْ، وَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ لَمْ يَصِلْ، وَذَلِكَ خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْكَلَامِ، لِأَنَّ الذَّبِيحَتَيْنِ تُذْبَحُ إِحْدَاهُمَا لِلَّهِ وَالْأُخْرَى لِلْآلِهَةِ، جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ لُحُومُهُمَا قَدِ اخْتَلَطَتْ وَخَلَطُوهُمَا، إِذْ كَانَ الْمَكْرُوهُ عِنْدَهُمْ تَسْمِيَةُ اللَّهِ عَلَى مَا كَانَ مَذْبُوحًا لِلْآلِهَةِ دُونَ اخْتِلَاطِ الْأَعْيَانِ وَاتِّصَالِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ

الصفحة 572