كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 9)

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {§وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا} [الأنعام: 139] الْآيَةَ، «فَهُوَ اللَّبَنُ كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ عَلَى إِنَاثِهِمْ وَيَشْرَبُهُ ذُكْرَانُهُمْ، وَكَانَتِ الشَّاةُ إِذَا وَلَدَتْ ذَكَرًا ذَبَحُوهُ وَكَانَ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى تُرْكَبْ فَلَمْ تُذْبَحُ، وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ. فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ مَا فِي بُطُونِ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ مِنَ الْأَجِنَّةِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {§وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} [الأنعام: 139] «فَهَذِهِ الْأَنْعَامُ مَا وُلِدَ مِنْهَا مِنْ حَيٍّ فَهُوَ خَالِصٌ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَأَمَّا مَا وُلِدَ مِنْ مَيِّتٍ فَيَأْكُلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ»
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،، عَنْ مُجَاهِدٍ: {§مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا} [الأنعام: 139] : «السَّائِبَةُ وَالْبَحِيرَةُ» -[586]- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي أَنْعَامٍ بِأَعْيَانِهَا: مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا دُونَ إِنَاثِنَا. وَاللَّبَنُ مِمَّا فِي بُطُونِهَا، وَكَذَلِكَ أَجِنَّتُهَا، وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ بِالْخَبَرِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: بَعْضُ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِنَّ دُونَ بَعْضٍ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ قَالُوا مَا فِي بُطُونِ تِلْكَ الْأَنْعَامِ مِنْ لَبَنٍ وَجَنِينٍ حِلٌّ لِذُكُورِهِمْ خَالِصَةٌ دُونَ إِنَاثِهِمْ، وَإِنَّهُمْ كَانُوا يُؤْثِرُونَ بِذَلِكَ رِجَالَهُمْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي فِي بُطُونِهَا مِنَ الْأَجِنَّةِ مَيِّتًا فَيَشْتَرِكُ حِينَئِذٍ فِي أَكْلِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُنِّثَتِ الْخَالِصَةُ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: أُنِّثَتْ لِتَحْقِيقِ الْخُلُوصِ، كَأَنَّهُ لَمَّا حَقَّقَ لَهُمُ الْخُلُوصَ أَشْبَهَ الْكَثْرَةَ، فَجَرَى مَجْرَى رَاوِيَةٍ وَنَسَّابَةٍ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: أُنِّثَتْ لِتَأْنِيثِ الْأَنْعَامِ، لِأَنَّ مَا فِي بُطُونِهَا مِثْلَهَا، فَأُنِّثَتْ لِتَأْنِيثِهَا. وَمَنْ ذَكَّرَهُ فَلِتَذْكِيرِ (مَا) ، قَالَ: وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (خَالِصٌ) ، قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ الْخَالِصَةُ فِي تَأْنِيثِهَا مَصْدَرًا، كَمَا تَقُولُ: الْعَافِيَةَ وَالْعَاقِبَةَ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ} [ص: 46] . وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: أُرِيدَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي خُلُوصِ مَا -[587]- فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ الَّتِي كَانُوا حَرَّمُوا مَا فِي بُطُونِهَا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ، لِذُكُورِهِمْ دُونَ إِنَاثِهِمْ، كَمَا فُعِلَ ذَلِكَ بِالرَّاوِيَةِ وَالنَّسَّابَةِ وَالْعَلَّامَةِ، إِذَا أُرِيدَ بِهَا الْمُبَالَغَةَ فِي وَصْفِ مَنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ صِفَتِهِ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ خَالِصَةُ فُلَانٍ وَخُلْصَانُهُ

الصفحة 585