كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 9)

§وَأَمَّا قَوْلُهُ: {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [الأنعام: 152] ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا مِنْ إِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ إِلَّا مَا يَسَعُهَا، فَيَحِلُّ لَهَا، وَلَا تَحْرَجَ فِيهِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلِمَ مِنْ عِبَادِهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ تَضِيقُ نَفْسُهُ عَنْ أَنْ تَطِيبَ لِغَيْرِهِ بِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ، فَأَمَرَ الْمُعْطِي بِإِيفَاءِ رَبِّ الْحَقِّ حَقَّهُ الَّذِي هُوَ لَهُ وَلَمْ يُكَلِّفْهُ الزِّيَادَةَ لِمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ مِنْ ضِيقِ نَفْسِهِ بِهَا، وَأَمَرَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ بِأَخْذِ حَقِّهِ وَلَمْ يُكَلِّفْهُ الرِّضَا بِأَقَلَّ مِنْهُ، لِمَا فِي النُّقْصَانِ عَنْهُ مِنْ ضِيقِ نَفْسِهِ، فَلَمْ يُكَلِّفْ نَفْسًا مِنْهُمَا إِلَّا مَا لَا حَرَجَ فِيهِ وَلَا ضِيقَ، فَلِذَلِكَ قَالَ: {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [الأنعام: 152] ، وَقَدِ اسْتَقْصَيْنَا بَيَانَ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 152] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام: 152] وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ فَتَكَلَّمْتُمْ، فَقُولُوا الْحَقَّ بَيْنَهُمْ، وَاعْدِلُوا وَأَنْصِفُوا وَلَا تَجُورُوا وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَتَوَجَّهُ الْحَقُّ عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ ذَا قَرَابَةٍ لَكُمْ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ قَرَابَةُ قَرِيبٍ أَوْ صَدَاقَةُ صَدِيقٍ حَكَمْتُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، أَنْ تَقُولُوا غَيْرَ الْحَقِّ فِيمَا احْتُكِمَ إِلَيْكُمْ فِيهِ. {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} [الأنعام: 152] يَقُولُ: وَبِوَصِيَّةِ اللَّهِ الَّتِي أَوْصَاكُمْ بِهَا فَأَوْفُوا، وَإِيفَاءُ ذَلِكَ أَنْ يُطِيعُوهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ، وَأَنْ يَعْمَلُوا بِكِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ هُوَ الْوَفَاءُ بِعَهْدِ اللَّهِ
§وَأَمَّا قَوْلُهُ: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام: 151] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

الصفحة 666