كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 10)
§وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158] فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَوْ عَمِلَتْ فِي تَصْدِيقِهَا بِاللَّهِ خَيْرًا مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ تُصْدِقُ قِيلَهُ، وَتُحَقِّقُهُ مِنْ قَبْلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، لَا يَنْفَعُ كَافِرًا لَمْ يَكُنْ آمَنَ بِاللَّهِ قَبْلَ طُلُوعِهَا، كَذَلِكَ إِيمَانُهُ بِاللَّهِ إِنْ آمَنَ وَصَدَّقَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، لِأَنَّهَا حَالَةٌ لَا تَمْتَنِعُ نَفْسٌ مِنَ الْإِقْرَارِ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ لِهَوْلِ الْوَارِدِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَحُكْمُ إِيمَانِهِمْ كَحُكْمِ إِيمَانِهِمْ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَتِلْكَ حَالٌ لَا يَمْتَنِعُ الْخَلْقُ مِنَ الْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ لِمُعَايَنَتِهِمْ مِنْ أَهْوَالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَا تَرْتَفِعُ مَعَهُ حَاجَتُهُمْ إِلَى الْفِكْرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالْبَحْثِ وَالِاعْتِبَارِ، وَلَا يَنْفَعُ مَنْ كَانَ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ مُصَدِّقًا وَلِفَرَائِضِ اللَّهِ مُضَيِّعًا غَيْرَ مُكْتَسِبٍ بِجَوَارِحِهِ لِلَّهِ طَاعَةً إِذَا هِيَ طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا أَعْمَالُهُ إِنْ عَمِلَ، وَكَسْبُهُ إِنِ اكْتَسَبَ، لِتَفْرِيطِهِ الَّذِي سَلَفَ قَبْلَ طُلُوعِهَا فِي ذَلِكَ
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {§يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158] ، يَقُولُ: «كَسَبَتْ فِي تَصْدِيقِهَا خَيْرًا عَمَلًا صَالِحًا، فَهَؤُلَاءِ أَهْلُ الْقِبْلَةِ. وَإِنْ كَانَتْ مُصَدِّقَةً وَلَمْ تَعْمَلْ قَبْلَ ذَلِكَ خَيْرًا فَعَمِلَتْ بَعْدَ أَنْ رَأَتِ الْآيَةَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا. وَإِنْ عَمِلَتْ قَبْلَ الْآيَةِ خَيْرًا ثُمَّ عَمِلَتْ بَعْدَ الْآيَةِ خَيْرًا، قُبِلَ -[29]- مِنْهَا»
الصفحة 28