كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 10)
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 165] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ: وَاللَّهُ {الَّذِي جَعَلَكُمْ} [الأنعام: 165] أَيُّهَا النَّاسُ {خَلَائِفَ الْأَرْضِ} [الأنعام: 165] بِأَنْ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْقُرُونِ وَالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، وَاسْتَخْلَفَكُمْ فَجَعَلَكُمْ خَلَائِفَ مِنْهُمْ فِي الْأَرْضِ، تَخْلُفُونَهُمْ فِيهَا، وَتَعْمُرُونَهَا بَعْدَهُمْ. وَالْخَلَائِفُ: جَمْعُ خَلِيفَةٍ، كَمَا الْوَصَائِفُ جَمْعُ وَصِيفَةٍ، وَهِيَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: خَلَفَ فُلَانٌ فُلَانًا فِي دَارِهِ يَخْلُفُهُ فَهُوَ خَلِيفَةٌ فِيهَا، كَمَا قَالَ الشَّمَّاخُ:
[البحر الوافر]
تُصِيبُهُمْ وَتُخْطِئُنِي الْمَنَايَا ... وَأُخْلَفُ فِي رُبُوعٍ عَنْ رُبُوعِ
وَذَلِكَ كَمَا حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} [الأنعام: 165] قَالَ: " §أَمَّا خَلَائِفُ الْأَرْضِ: فَأَهْلَكَ الْقُرُونَ، وَاسْتَخْلَفَنَا فِيهَا بَعْدَهُمْ " وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الأنعام: 165] ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَخَالَفَ بَيْنَ أَحْوَالِكُمْ، فَجَعَلَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ، بِأَنْ رَفَعَ هَذَا عَلَى هَذَا بِمَا بَسَطَ لِهَذَا مِنَ الرِّزْقِ فَفَضَّلَهُ بِمَا أَعْطَاهُ مِنَ الْمَالِ وَالْغِنَى عَلَى هَذَا الْفَقِيرِ فِيمَا خَوَّلَهُ مِنْ أَسْبَابِ الدُّنْيَا، وَهَذَا عَلَى هَذَا بِمَا أَعْطَاهُ مِنَ الْأَيْدِ وَالْقُوَّةِ عَلَى هَذَا الضَّعِيفِ الْوَاهِنِ الْقُوَى، فَخَالَفَ بَيْنَهُمْ بِأَنْ رَفَعَ مِنْ دَرَجَةِ هَذَا عَلَى دَرَجَةِ هَذَا، وَخَفَضَ مِنْ دَرَجَةِ هَذَا عَنْ -[51]- دَرَجَةِ هَذَا
الصفحة 50