كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 10)

وَفِي مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَقُولُوا: إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: بَلْ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ قَالَ: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، اتَّقُوا أَنْ تَقُولُوا. قَالَ: وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِ اللَّهِ: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2] . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. قَالَ: وَنَصْبُهُ مِنْ مَكَانَيْنِ: أَحَدُهُمَا (أَنْزَلْنَاهُ لِئَلَّا يَقُولُ: إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى) . وَالْآخَرُ مِنْ قَوْلِهِ: {اتَّقُوا} [البقرة: 212] قَالَ: وَلَا يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِ أَنْ كَقَوْلِهِ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: نَصَبَ (أَنْ) لِتَعَلُّقِهَا بِالْإِنْزَالِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ لِئَلَّا تَقُولُوا: إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا. فَأَمَّا الطَّائِفَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَنْزَلَ كِتَابَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ، لِئَلَّا يَقُولَ الْمُشْرِكُونَ: لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْنَا كِتَابٌ فَنَتَّبِعَهُ، وَلَمْ نُؤْمَرْ وَلَمْ نُنْهَ، فَلَيْسَ عَلَيْنَا حُجَّةٌ فِيمَا نَأْتِي وَنَذَرُ، إِذْ لَمْ يَأْتِ مِنَ اللَّهِ كِتَابٌ وَلَا رَسُولٌ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ عَلَى

الصفحة 6