كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 10)

الْإِصْلَاحِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ سَبَبَاهُمَا مُخْتَلِفَيْنِ وَكَانَ السَّبَبُ الَّذِي بِهِ غَوَى وَهَلَكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَضَافَ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَقَالَ: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الأعراف: 16] . وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ
فِيمَا حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: ثنا أَبُو مَوْدُودٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، يَقُولُ: «§قَاتَلَ اللَّهُ الْقَدَرِيَّةَ، لَإِبْلِيسُ أَعْلَمُ بِاللَّهِ مِنْهُمْ»
§وَأَمَّا قَوْلُهُ: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16] فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَأَجْلِسَنَّ لِبَنِي آدَمَ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، يَعْنِي: طَرِيقَكَ الْقَوِيمَ، وَذَلِكَ دِينُ اللَّهِ الْحَقُّ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَشَرَائِعُهُ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: لَأَصُدَنَّ بَنِي آدَمَ عَنْ عِبَادَتِكَ وَطَاعَتِكَ، وَلَأَغْوِيَنَّهُمْ كَمَا أَغْوَيْتَنِي، وَلَأُضِلَّنَّهُمْ كَمَا أَضْلَلْتَنِي
وَذَلِكَ كَمَا رُوِيَ عَنْ سَبْرَةَ بْنِ الْفَاكِهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ §الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ؟ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ. ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ: أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَالْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ؟ فَعَصَاهُ وَهَاجَرَ. ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقَ الْجِهَادِ، وَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَقَالَ: أَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلَ -[94]- فَتُنْكَحَ الْمَرْأَةُ وَيُقْسَمُ الْمَالُ؟ قَالَ: فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ " وَرُوِيَ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ

الصفحة 93