كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 11)

§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأنفال: 37] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَحْشُرُ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، وَيُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِلصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى جَهَنَّمَ، لِيُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ وَهُمْ أَهْلُ الْخُبْثِ كَمَا قَالَ وَسَمَّاهُمْ {الْخَبِيثَ} [البقرة: 267] وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَهُمُ الطَّيِّبُونَ، كَمَا سَمَّاهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ. فَمَيَّزَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْنَهُمْ بِأَنْ أَسْكَنَ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ جَنَّاتِهِ، وَأَنْزَلَ أَهْلَ الْكُفْرِ نَارَهُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: " {§لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37] فَمَيَّزَ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ "
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: " §ثُمَّ ذَكَرَ الْمُشْرِكِينَ، وَمَا يُصْنَعُ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: {لِيَمِيزَ اللَّهُ -[176]- الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37] يَقُولُ: يَمِيزُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ. {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ} [الأنفال: 37] " وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ} [الأنفال: 37] فَيَحْمِلُ الْكُفَّارَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ. {فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا} [الأنفال: 37] يَقُولُ: فَنَجْعَلَهُمْ رُكَامًا، وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ بَعْضَهُمْ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى يَكْثُرُوا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي صِفَةِ السَّحَابِ: {ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا} [النور: 43] أَيْ مُجْتَمِعًا كَثِيفًا

الصفحة 175