كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 11)

§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حُرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَرِحَ الَّذِينَ خَلَّفَهُمُ اللَّهُ عَنِ الْغَزْوِ مَعَ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَجِهَادِ أَعْدَائِهِ بِمَقْعَدِهِمْ {خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة: 81] يَقُولُ: بِجُلُوسِهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: عَلَى الْخِلَافِ لِرَسُولِ اللَّهِ فِي جُلُوسِهِ وَمَقْعَدِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِالنَّفْرِ إِلَى جِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، فَخَالَفُوا أَمْرَهُ وَجَلَسُوا فِي مَنَازِلِهِمْ. وَقَوْلُهُ: {خِلَافَ} [المائدة: 33] مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: خَالَفَ فُلَانٌ فُلَانًا فَهُوَ يُخَالِفُهُ خِلَافًا فَلِذَلِكَ جَاءَ مَصْدَرُهُ عَلَى تَقْدِيرِ فِعَالٍ، كَمَا يُقَالُ: قَاتَلَهُ فَهُوَ يُقَاتِلُهُ قِتَالًا، وَلَوْ كَانَ مَصْدَرًا مِنْ خَلَفَهُ، لَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ: بِمَقْعَدِهِمْ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ مَصْدَرَ خَلَفَهُ خَلْفٌ، لَا خِلَافٌ، وَلَكِنَّهُ عَلَى مَا بَيَّنْتُ مِنْ أَنَّهُ مَصْدَرُ خَالَفَ. فَقُرِئَ: {خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة: 81] وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا قِرَاءَةُ الْأَمْصَارِ، وَهِيَ الصَّوَابُ عِنْدَنَا. وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ، بِمَعْنَى: بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل]
عَقَبَ الرَّبِيعُ خِلَافَهُمْ فَكَأَنَّمَا ... بَسَطَ الشَّوَاطِبُ بَيْنَهُنَّ حَصِيرَا

الصفحة 602