كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 11)
اجْتَمَعَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي الْخَبَرِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تُغَلِّبُ الذُّكُورَ عَلَى الْإِنَاثِ؛ وَلِذَلِكَ قِيلَ: {فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} [التوبة: 83] وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ وُجِّهَ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى: فَاقْعُدُوا مَعَ أَهْلِ الْفَسَادِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: خَلَفَ الرِّجَالَ عَنْ أَهْلِهِ يَخْلُفُ خُلُوفًا، إِذَا فَسَدَ، وَمِنْ قَوْلِهِمْ: هُوَ خَلَفُ سُوءٍ، كَانَ مَذْهَبًا. وَأَصْلُهُ إِذَا أُرِيدَ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُمْ خَلَفَ اللَّبَنُ يَخْلُفُ خُلُوفًا إِذَا خَبُثَ مِنْ طُولِ وَضْعِهِ فِي السِّقَاءِ حَتَّى يَفْسُدَ، وَمَنْ قَوْلِهِمْ: خَلَفَ فَمُ الصَّائِمِ: إِذَا تَغَيَّرَتْ رِيحُهُ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا تُصَلِّ يَا مُحَمَّدُ عَلَى أَحَدٍ مَاتَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْخُرُوجِ مَعَكَ أَبَدًا. {وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] يَقُولُ: وَلَا تَتَوَلَّ دَفْنَهُ وَتُقْبِرْهُ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَامَ فُلَانٌ بِأَمْرِ فُلَانٍ: إِذَا كَفَاهُ أَمْرَهُ. {إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ} [التوبة: 84] يَقُولُ إِنَّهُمْ جَحَدُوا تَوْحِيدَ اللَّهِ وَرِسَالَةَ رَسُولِهِ، وَمَاتُوا وَهُمْ خَارِجُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ مُفَارِقُونَ أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ حِينَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: -[611]- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالُوا: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: جَاءَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ أَبُوهُ، فَقَالَ: أَعْطِنِي قَمِيصَكَ حَتَّى أُكَفِّنَهُ فِيهِ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَاسْتَغْفِرْ لَهُ، فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ، وَقَالَ: «§إِذَا فَرَغْتُمْ فَآذِنُونِي» فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، جَذَبَهُ عُمَرُ وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ؟ فَقَالَ: " بَلْ خَيَّرَنِي وَقَالَ {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80] قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] قَالَ: فَتَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ
الصفحة 610