كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 11)
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 91] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الزَّمَانَةِ وَأَهْلِ الْعَجْزِ عَنِ السَّفَرِ وَالْغَزْوِ، وَلَا عَلَى الْمَرْضَى، وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَجِدُ نَفَقَةً يَتَبَلَّغُ بِهَا إِلَى مَغْزَاهُ حَرَجٌ، وَهُوَ الْإِثْمُ، يَقُولُ: لَيْسَ عَلَيْهِمْ إِثْمٌ إِذَا نَصَحُوا للَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِي مَغِيبِهِمْ عَنِ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] يَقُولُ: لَيْسَ عَلَى مَنْ أَحْسَنَ فَنَصَحَ للَّهِ وَرَسُولِهِ فِي تَخَلُّفِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جِهَادٍ مَعَهُ لِعُذْرٍ يُعْذَرُ بِهِ طَرِيقٌ يُتَطَرَّقُ عَلَيْهِ فَيُعَاقَبَ مِنْ قِبَلِهِ. {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218] يَقُولُ: وَاللَّهُ سَاتِرٌ عَلَى ذُنُوبِ الْمُحْسِنِينَ، يَتَغَمَّدَهَا بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا، رَحِيمٌ بِهِمْ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَيْهَا. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ نَزَلَتْ فِي عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " {§لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91] نَزَلَتْ فِي عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو "
ذِكْرُ مَنْ قَالَ نَزَلَتْ فِي ابْنِ مُغَفَّلٍ: -[624]- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {§لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى} [التوبة: 91] إِلَى قَوْلِهِ: {حَزَنًا أَن لَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَنْبَعِثُوا غَازِينَ مَعَهُ، فَجَاءَتْهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ احْمِلْنَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ مَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ» فَتَوَلَّوْا وَلَهُمْ بُكَاءٌ، وَعَزَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَجْلِسُوا عَنِ الْجِهَادِ وَلَا يَجِدُونَ نَفَقَةً وَلَا مَحْمَلًا. فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ حِرْصَهُمْ عَلَى مَحَبَّتِهِ وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ، أَنْزَلَ عُذْرَهُمْ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91] إِلَى قَوْلِهِ: {فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 93]
الصفحة 623