كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 11)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: " مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِرَجُلٍ يَقْرَأُ: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة: 100] . . حَتَّى بَلَغَ: {وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100] قَالَ: وَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَقَالَ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذَا؟ قَالَ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. فَقَالَ: لَا تُفَارِقُنِي حَتَّى أَذْهِبَ بِكَ إِلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَقْرَأَتَ هَذَا هَذِهِ الْآيَةَ هَكَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَقَدْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّا §رُفِعْنَا رِفْعَةً لَا يَبْلُغُهَا أَحَدٌ بَعْدَنَا، فَقَالَ أُبَيُّ: بَلَى تَصْدِيقُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3] . . إِلَى: {وَهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم: 4] ، وَفِي سُورَةِ الْحَشْرِ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} ، وَفِي الْأَنْفَالِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} [الأنفال: 75] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ " وَرُوِي عَنْ عُمَرَ، فِي ذَلِكَ مَا
حَدَّثَنِي بِهِ، أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، وعَنِ ابْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَرَأَ: «§وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ» فَرَفَعَ «الْأَنْصَارُ» وَلَمْ يُلْحِقِ الْوَاوَ فِي «الَّذِينَ» ، فَقَالَ لَهُ زَيْدُ -[642]- بْنُ ثَابِتٍ: «وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ» ، فَقَالَ عُمَرُ: «الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ» . فَقَالَ زَيْدٌ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ فَقَالَ عُمَرُ: ائْتُونِي بِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ أُبَيُّ: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة: 100] فَقَالَ عُمَرُ: إِذًا نُتَابِعُ أُبَيًّا «وَالْقِرَاءَةُ عَلَى خَفْضِ» الْأَنْصَارِ «عَطْفًا بِهِمْ عَلَى» الْمُهَاجِرِينَ ". وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: «الْأَنْصَارُ» بِالرَّفْعِ عَطْفًا بِهِمْ عَلَى «السَّابِقِينَ» وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ غَيْرَهُمَا الْخَفْضَ فِي «الْأَنْصَارِ» ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ السَّابِقَ كَانَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. وَإِنَّمَا قَصَدَ الْخَبَرَ عَنِ السَّابِقِ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْخَبَرِ عَنِ الْجَمِيعِ، وَإِلْحَاقَ الْوَاوِ فِي «الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ» ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا، عَلَى أَنَّ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ غَيْرُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. وَأَمَّا السَّابِقُونَ فَإِنَّهُمْ مَرْفُوعُونَ بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْرِهِمْ فِي قَوْلِهِ: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119] وَمَعْنَى الْكَلَامِ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ لِمَا أَطَاعُوهُ وَأَجَابُوا نَبِيَّهُ إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَرَضِيَ عَنْهُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ لِمَا أَجْزَلَ لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ وَإِيمَانِهِمْ بِهِ وَبِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ يَدْخُلُونَهَا خَالِدِينَ فِيهَا لَابِثِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا، {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]
الصفحة 641