كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 11)
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة: 101] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ حَوْلَ مَدِينَتِكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ، وَمِنْ أَهْلِ مَدِينَتِكُمْ أَيْضًا أَمْثَالُهُمْ أَقْوَامٌ مُنَافِقُونَ. وَقَوْلُهُ: {مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} [التوبة: 101] يَقُولُ: مَرَنُوا عَلَيْهِ وَدَرَبُوا بِهِ، وَمِنْهُ شَيْطَانٌ مَارِدٌ وَمُرِيدٌ: وَهُو الْخَبِيثُ الْعَاتِي، وَمِنْهُ قِيلَ: تَمَرَّدَ فُلَانٌ عَلَى رَبِّهِ: أَيْ عَتَا وَمَرَدَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَاعْتَادَهَا وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ، مَا
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: " {§وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} [التوبة: 101] قَالَ: أَقَامُوا عَلَيْهِ لَمْ يَتُوبُوا كَمَا تَابَ الْآخَرُونَ "
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، " {§وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} [التوبة: 101] أَيْ لَجُّوا فِيهِ وَأَبَوْا غَيْرَهُ. {لَا تَعْلَمُهُمْ} [التوبة: 101] يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَعْلَمُ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ صِفَتَهُمْ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَكِنَّا نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ " كَمَا
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، -[644]- فِي قَوْلِهِ: " {§وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ} [التوبة: 101] إِلَى قَوْلِهِ: {نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: 101] قَالَ: فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَكَلَّفُونَ عِلْمَ النَّاسِ، فُلَانٌ فِي الْجَنَّةِ وَفُلَانٌ فِي النَّارِ، فَإِذَا سَأَلْتَ أَحَدَهُمْ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ لَا أَدْرِي لَعَمْرِي أَنْتَ بِنَفْسِكَ أَعْلَمُ مِنْكَ بِأَعْمَالِ النَّاسِ، وَلَقَدْ تَكَلَّفْتَ شَيْئًا مَا تَكَلَّفَتْهُ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَكُمْ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الشعراء: 112] ، وَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [هود: 86] ، وَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: 101] " وَقَوْلُهُ: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة: 101] يَقُولُ: سَنُعَذِّبُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مَرَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا فِي الدُّنْيَا، وَالْأُخْرَى فِي الْقَبْرِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّتِي فِي الدُّنْيَا مَا هِيَ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ فَضِيحَتُهُمْ فَضَحَهُمُ اللَّهُ بِكَشْفِ أُمُورِهِمْ وَتَبْيِينِ سَرَائِرِهُمْ لِلنَّاسِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
الصفحة 643