كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 13)
وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقَوْلُهُ: {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} [يوسف: 37] فِي الْيَقَظَةِ لَا فِي النَّوْمِ. وَإِنَّمَا أَعْلَمَهُمَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ عِنْدَهُ عِلْمَ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُ الطَّعَامِ الَّذِي يَأْتِيهُمَا مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ وَمِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ النَّوْعَ الَّذِي إِذَا أَتَاهُمَا كَانَ عَلَامَةً لَقَتْلِ مَنْ أَتَاهُ ذَلِكَ مِنْهُمَا، وَالنَّوْعَ الَّذِي إِذَا أَتَاهُ كَانَ عَلَامَةً لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُمَا أَنَّهُ عِنْدَهُ عِلْمُ ذَلِكَ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنَّ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} وَاتَّبَعْتُ دِينَهُمْ لَا دِينَ أَهْلِ الشِّرْكِ. {مَا كَانَ لَنَا أَنَّ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [يوسف: 38] يَقُولُ: مَا جَازَ لَنَا أَنَّ نَجْعَلَ لِلَّهِ شَرِيكًا فِي عِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ، بَلِ الَّذِي عَلَيْنَا إِفْرَادُهُ بِالْأُلُوهَةِ وَالْعِبَادَةِ. {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا} [يوسف: 38] يَقُولُ: اتِّبَاعِي مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَتَرْكِي {مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [يوسف: 37] ، مِنْ فَضْلِ اللَّهِ الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْنَا، فَأَنْعَمَ إِذْ أَكْرَمَنَا بِهِ {وَعَلَى النَّاسِ} [يوسف: 38] يَقُولُ: وَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَى النَّاسِ، إِذْ أَرْسَلَنَا إِلَيْهِمْ دُعَاةً إِلَى تَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [البقرة: 243] يَقُولُ: وَلَكِنَّ مَنْ يَكْفُرُ بِاللَّهِ لَا يَشْكُرُ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِهِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَعْرِفُ الْمُتَفَضِّلَ بِهِ.
الصفحة 162