كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 13)

ذَلِكَ لِيَمْضِيَ فِيهِ وَفِيهِمْ حُكْمُهُ السَّابِقُ فِي عَلْمِهِ، وَلِيَرَى إِخْوَةُ يُوسُفَ، وَيُوسُفُ وَأَبُوهُ قُدْرَتَهُ فِيهِ. وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ يُوسُفَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ تَذْكِيرٌ مِنَ اللَّهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَسْلِيَةً مِنْهُ لَهُ عَمَّا كَانَ يَلْقَى مِنْ أَقْرِبَائِهِ وَأَنْسَبَائِهِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْأَذَى فِيهِ، يَقُولُ لَهُ: فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَا نَالَكَ فِي اللَّهِ، فَإِنِّي قَادِرٌ عَلَى تَغْيِيرِ مَا يَنَالُكَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونِ، كَمَا كُنْتُ قَادِرًا عَلَى تَغْيِيرِ مَا لَقِيَ يُوسُفُ مِنْ إِخْوَتِهِ فِي حَالِ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِهِ مَا فَعَلُوا، وَلَمْ يَكُنْ تَرْكِي ذَلِكَ لِهَوَانِ يُوسُفَ عَلَيَّ، وَلَكِنْ لِمَاضِيَ عِلْمِي فِيهِ وَفِي إِخْوَتِهِ، فَكَذَلِكَ تَرْكِي تَغْيِيرِ مَا يَنَالُكَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لِغَيْرِ هَوَانٍ بِكَ عَلَيَّ، وَلَكِنْ لِسَابِقِ عِلْمِي فِيكَ وَفِيهِمْ، ثُمَّ يَصِيرُ أَمْرُكَ وَأَمْرُهُمْ إِلَى عُلُوِّكَ عَلَيْهِمْ، وَإِذْعَانِهِمْ لَكَ، كَمَا صَارَ أَمْرُ إِخْوَةِ يُوسُفَ إِلَى الْإِذْعَانِ لِيُوسُفَ بِالسُّؤْدُدِ عَلَيْهِمْ، وَعُلُوِّ يُوسُفُ عَلَيْهِمْ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَرَوهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف: 20] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {وَشَرَوهُ} [يوسف: 20] بِهِ، وَبَاعَ إِخْوَةُ يُوسُفَ يُوسُفَ، فَأَمَّا إِذَا أَرَادَ الْخَبَرَ عَنْ أَنَّهُ ابْتَاعَهُ، قَالَ: اشْتَرَيْتُهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مُفَرِّغِ الْحِمْيَرِيِّ:
[البحر الكامل]
-[51]- وَشَرَيْتُ بُرْدًا لَيْتَنِي ... مِنْ قَبْلِ بُرْدٍ كُنْتُ هَامَهْ
يَقُولُ: «بِعْتُ بُرْدًا» ، وَهُوَ عَبْدٌ كَانَ لَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:

الصفحة 50