كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 13)
§قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم: 47] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ} [البقرة: 220] : لَا يُمَانَعُ مِنْهُ شَيْءٌ أَرَادَ عُقُوبَتَهُ، قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَنْ طَلَبَهُ، لَا يَفُوتُهُ بِالْهَرَبِ مِنْهُ {ذُو انْتِقَامٍ} [آل عمران: 4] مِمَّنْ كَفَرَ بِرُسُلِهِ وَكَذَّبَهُمْ، وَجَحَدَ نُبُوَّتَهُمْ، وَأَشْرَكَ بِهِ وَاتَّخَذَ مَعَهُ إِلَهًا غَيْرَهُ وَأُضِيفَ قَوْلُهُ: {مُخْلِفَ} [إبراهيم: 47] إِلَى الْوَعْدِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، لِأَنَّهُ وَقَعَ مَوْقِعَ الِاسْمِ، وَنَصَبَ قَوْلَهُ: {رُسُلَهُ} [البقرة: 285] بِالْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَىَ: فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ رُسُلَهُ وَعْدِهِ، فَالْوَعْدُ وَإِنْ كَانَ مَخْفُوضًا بِإِضَافَةِ «مُخْلِفَ» إِلَيْهِ، فَفِي مَعْنَى النَّصَبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِخْلَافَ يَقَعُ عَلَى مَنْصُوبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: كَسَوْتُ عَبْدَ اللَّهِ ثَوْبًا، وَأَدْخَلْتُهُ دَارًا، وَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ كَذَلِكَ يَقَعُ عَلَى مَنْصُوبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنٍ، جَازَ تَقْدِيمُ أَيِّهِمَا قَدَّمَ، وَخَفْضُ مَا وَلِيَ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ فِي صُورَةِ الْأَسْمَاءِ وَنَصْبُ الثَّانِي، فَيُقَالُ: أَنَا مُدْخِلُ عَبْدِ اللَّهِ الدَّارَ، وَأَنَا مُدْخِلُ الدَّارِ عَبْدَ اللَّهِ، إِنْ قَدَّمْتَ الدَّارَ إِلَى الْمُدْخِلِ وَأَخَّرْتَ عَبْدَ اللَّهِ خَفَضْتَ الدَّارَ، إِذْ أُضِيفَ مُدْخِلْ إِلَيْهَا، وَنُصِبَ عَبْدُ اللَّهِ، وَإِنْ قُدِّمَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَيْهِ، وَأَخَّرْتَ الدَّارَ، خُفِضَ عَبْدُ اللَّهِ بِإِضَافَةِ مُدْخِلٍ إِلَيْهِ، وَنُصِبَ الدَّارُ، وَإِنَّمَا فُعِلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْفِعْلَ، أَعْنِي مُدْخِلَ، يَعْمَلُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصْبًا نَحْوَ عَمَلِهِ فِي الْآخَرِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل]
تَرَى الثَّوْرَ فِيهَا مُدْخِلَ الظِّلِّ رَأْسَهُ ... وَسَائِرُهُ بَادٍ إِلَى الشَّمْسِ أَجْمَعُ
أَضَافَ مُدْخِلَ إِلَى الظِّلِّ، وَنَصَبَ الرَّأْسَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: مُدْخِلَ رَأْسَهُ الظِّلَّ،
الصفحة 727