كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 13)

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ، قَالَا: «§حَلَّ السَّرَاوِيلَ، وَجَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الْخَاتنِ»
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {§وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [يوسف: 24] قَالَ: اسْتَلْقَتْ، وَحَلَّ ثِيَابَهُ حَتَّى بَلَغَ التُّبَّانَ "
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا قَيْسٌ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، " {§وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [يوسف: 24] قَالَ: أَطْلَقَ تِكَّةَ سَرَاوِيلِهِ "
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: " §شَهِدْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ هَمِّ يُوسُفَ مَا بَلَغَ؟ قَالَ: حَلَّ الْهِمْيَانَ، وَجَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الْخَاتنِ " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ يُوسُفُ بِمِثْلِ هَذَا وَهُوَ لِلَّهِ نَبِيُّ؟ قِيلَ: إِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ مِمَّنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بِخَطِيئَةٍ، فَإِنَّمَا ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِهَا لِيَكُونَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى وَجَلٍ إِذَا ذَكَرَهَا، فَيَجِدُ فِي طَاعَتِهِ إِشْفَاقًا مِنْهَا، وَلَا يَتَّكِلُ عَلَى سَعَةِ عَفُوِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ. -[86]- وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ لِيُعَرِّفَهُمْ مَوْضِعَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ، بِصَفْحِهِ عَنْهُمْ وَتَرْكِهِ عُقُوبَتَهُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ ابْتَلَاهُمْ بِذَلِكَ لِيَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً لِأَهْلِ الذُّنُوبِ فِي رَجَاءِ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَتَرْكِ الْإِيَاسِ مِنْ عَفْوِهِ عَنْهُمْ إِذَا تَابُوا. وَأَمَّا آخَرُونَ مِمَّنْ خَالَفَ أَقْوَالَ السَّلَفِ وَتَأَوَّلُوا الْقُرْآنَ بِآرَائِهِمْ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا مُخْتَلِفَةً، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَلَقَدْ هَمَّتِ الْمَرْأَةُ بِيُوسُفَ، وَهَمَّ بِهَا يُوسُفُ أَنْ يَضْرِبَهَا أَوْ يَنَالَهَا بِمَكْرُوهٍ لِهَمِّهَا بِهِ مَا أَرَادَتُهُ مِنَ الْمَكْرُوهِ، لَوْلَا أَنَّ يُوسُفَ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ، وَكَفَّهُ ذَلِكَ عَمَّا هَمَّ بِهِ مِنْ أَذَاهَا، لَا أَنَّهَا ارْتَدَعَتْ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهَا. قَالُوا: وَالشَّاهِدُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ} [يوسف: 24] قَالُوا: فَالسُّوءُ: هُوَ مَا كَانَ هَمَّ بِهِ مِنْ أَذَاهَا، وَهُوَ غَيْرُ الْفَحْشَاءِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: مَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ. فَتَنَاهَى الْخَبَرُ عَنْهَا، ثُمَّ أَبْتُدِئَ الْخَبَرُ عَنْ يُوسُفَ، فَقِيلَ: وَهَمَّ بِهَا يُوسُفُ، لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ. كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى أَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَهِمِّ بِهَا، وَأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّ يُوسُفَ لَوْلَا رُؤْيَتُهُ بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِهَا، وَلَكِنَّهُ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ فَلَمْ يَهِمَّ بِهَا، كَمَا قِيلَ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83] وَيُفْسِدُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تُقَدِّمُ جَوَابَ «لَوْلَا» قَبْلَهَا، لَا تَقُولُ: لَقَدْ قُمْتُ لَوْلَا زَيْدٌ، وَهِيَ تُرِيدُ: لَوْلَا زَيْدٌ لَقَدْ قُمْتُ، هَذَا مَعَ خِلَافِهِمَا جَمِيعَ أَهْلِ -[87]- الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ الَّذِينَ عَنْهُمْ يُؤْخَذُ تَأْوِيلُهُ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ قَدْ هَمَّتِ الْمَرْأَةُ بِيُوسُفَ وَهَمَّ يُوسُفُ بِالْمَرْأَةِ، غَيْرَ أَنَّ هَمِّهَمَا كَانَ تَمْثِيلًا مِنْهُمَا بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْتَرْكِ، لَا عَزْمًا وَلَا إِرَادَةً؛ قَالُوا: وَلَا حَرَجَ فِي حَدِيثِ النَّفْسِ، وَلَا فِي ذِكْرِ الْقَلْبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا عَزْمٌ وَلَا فِعْلٌ. وَأَمَّا الْبُرْهَانُ الَّذِي رَآهُ يُوسُفُ فَتَرَكَ مِنْ أَجْلِهِ مُوَاقَعَةِ الْخَطِيئَةِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُودِيَ بِالنَّهْيِ عَنْ مُوَاقَعَةِ الْخَطِيئَةِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:

الصفحة 85