كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 14)
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ، وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا خَلَقْنَا الْخَلَائِقَ كُلَّهَا، سَمَاءَهَا وَأَرْضَهَا، مَا فِيهِمَا {وَمَا بَيْنَهُمَا} [المائدة: 17] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {وَمَا بَيْنَهُمَا} [المائدة: 17] مِمَّا فِي أَطْبَاقِ ذَلِكَ {إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] يَقُولُ: إِلَّا بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ، لَا بِالظُّلْمِ وَالْجَوْرِ، وَإِنَّمَا يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَظْلِمْ أَحَدًا مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي اقْتَصَّ قَصَصَهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَقَصَصَ إِهْلَاكِهِ إِيَّاهَا بِمَا فَعَلَ بِهِ مِنْ تَعْجِيلِ النِّقْمَةِ لَهُ عَلَى كُفْرِهِ بِهِ، فَيُعَذِّبُهُ وَيُهْلِكُهُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بِالظُّلْمِ وَالْجَوْرِ، وَلَكِنَّهُ خَالِقُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ
§وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنَّ السَّاعَةَ، وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي تَقُومُ فِيهَا الْقِيَامَةُ لَجَائِيَةٌ، فَارْضَ بِهَا لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ الَّذِينَ كَذَّبُوكَ وَرَدُّوا عَلَيْكَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ -[106]-. {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85] يَقُولُ: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ إِعْرَاضًا جَمِيلًا، وَاعْفُ عَنْهُمْ عَفْوًا حَسَنًا. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [الحجر: 86] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الَّذِي خَلَقَهُمْ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، وَهُوَ عَالِمٌ بِهِمْ وَبِتَدْبِيرِهِمُ وَمَا يَأْتُونَ مِنَ الْأَفْعَالِ. وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ تَقُولُ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ
الصفحة 105