كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 14)
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [النحل: 4] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ حُجَجِهِ عَلَيْكُمْ أَيْضًا أَيُّهَا النَّاسُ، أَنَّهُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ، فَأَحْدَثَ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ خَلْقًا عَجِيبًا، قَلَبَهُ تَارَاتٍ خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ إِلَى ضِيَاءِ الدُّنْيَا بَعْدَ مَا تَمَّ خَلْقُهُ، وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ، فَغَذَّاهُ وَرَزَقَهُ الْقُوتَ وَنَمَّاهُ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ كَفَرَ بِنِعْمَةِ رَبِّهِ، وَجَحَدَ مُدَبِّرَهُ، وَعَبَدَ مَنْ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، وَخَاصَمَ إِلَهَهُ، فَقَالَ {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] ، وَنَسِيَ الَّذِي خَلْقَهُ فَسَوَّاهُ خَلْقًا سَوِيًّا مِنْ مَاءِ مِهِينٍ. وَيَعْنِي بِالْمُبِينِ: أَنَّهُ يُبِينُ عَنْ خُصُومَتِهِ بِمَنْطِقِهِ وَيُجَادِلُ بِلِسَانِهِ، فَذَلِكَ إِبَانَتُهُ. وَعَنَى بِالْإِنْسَانِ: جَمِيعَ النَّاسِ، أُخْرِجَ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْجَمِيعِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا، لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ حُجَجِهِ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مَا خَلَقَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ، فَسَخَّرَهَا لَكُمْ، وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا مَلَابِسَ تَدْفَئُونَ بِهَا، وَمَنَافِعَ مِنْ أَلْبَانِهَا، وَظُهُورِهَا تَرْكَبُونَهَا {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5] يَقُولُ: وَمِنَ -[166]- الْأَنْعَامِ مَا تَأْكُلُونَ لَحْمَهُ كَالْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَسَائِرِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَحُذِفَتْ «مَا» مِنَ الْكَلَامِ لِدَلَالَةِ مِنْ عَلَيْهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
الصفحة 165