كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 14)
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ. إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [الحجر: 37] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ إِبْلِيسُ: رَبِّ فَإِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنَ السَّمَوَاتِ وَلَعَنْتَنِي، فَأَخِّرْنِي إِلَى يَوْمِ تَبْعَثُ خَلْقَكَ مِنْ قُبُورِهِمْ فَتَحْشُرُهُمْ لِمَوْقِفِ الْقِيَامَةِ. قَالَ اللَّهُ لَهُ: فَإِنَّكَ مِمَّنْ أُخِّرَ هَلَاكُهُ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ لِهَلَاكِ جَمِيعِ خَلْقِي، وَذَلِكَ حِينَ لَا يَبْقَى عَلَى الْأَرْضِ مِنْ بَنِي آدَمَ دَيَّارٌ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 40] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ إِبْلِيسُ: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر: 39] بِإِغْوَائِكَ {لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} [الحجر: 39] وَكَأَنَّ قَوْلَهُ: {بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر: 39] خَرَجَ مَخْرَجَ الْقَسَمِ، كَمَا يُقَالُ: بِاللَّهِ، أَوْ بِعِزَّةِ اللَّهِ لَأُغْوِيَنَّهُمْ، وَعَنَى بِقَوْلِهِ: {لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} [الحجر: 39] لَأُحَسِّنَنَّ لَهُمْ مَعَاصِيكَ، وَلَأُحَبِّبْنَهَا إِلَيْهِمْ فِي الْأَرْضِ {وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 39] يَقُولُ: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ عَنْ سَبِيلِ الرَّشَادِ {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 40] يَقُولُ: إِلَّا مَنْ أَخْلَصْتَهُ بِتَوْفِيقِكَ فَهَدَيْتُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْهِ، وَلَا طَاقَةَ لِي بِهِ، وَقَدْ قُرِئَ: (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلِصِينَ) ، فَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: إِلَّا مَنْ أَخْلَصَ طَاعَتَكَ، فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْهِ.
الصفحة 68