كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 15)
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {§جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} [الإسراء: 104] قَالَ: جَمِيعًا
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {§جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} [الإسراء: 104] يَعْنِي جَمِيعًا وَوَحَّدَ اللَّفِيفَ، وَهُوَ خَبَرٌ عَنِ الْجَمِيعِ، لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: لَفَفْتُهُ لَفًّا وَلَفِيفًا
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ: يَقُولُ: أَنْزَلْنَاهُ نَأْمُرُ فِيهِ بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَالْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ، وَالْأُمُورِ الْمُسْتَحْسَنَةِ الْحَمِيدَةِ، وَنَنْهَى فِيهِ عَنِ الظُّلْمِ وَالْأُمُورِ الْقَبِيحَةِ، وَالْأَخْلَاقِ الرَّدِيَّةِ، وَالْأَفْعَالِ الذَّمِيمَةِ {وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} [الإسراء: 105] يَقُولُ: وَبِذَلِكَ نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
§وَقَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الإسراء: 105] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَى مَنْ أَرْسَلْنَاكَ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادِنَا، إِلَّا مُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ مَنْ أَطَاعَنَا، فَانْتَهَى إِلَى أَمْرِنَا وَنَهْيِنَا، وَمُنْذِرًا لِمَنْ عَصَانَا وَخَالَفَ أَمْرَنَا وَنَهْيَنَا
{§وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ} [الإسراء: 106] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ {فَرَقْنَاهُ} [الإسراء: 106] بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ مِنْ فَرَقْنَاهُ، بِمَعْنَى: أَحْكَمْنَاهُ وَفَصَّلْنَاهُ وَبَيِّنَّاهُ. -[114]- وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ «فَرَقْنَاهُ» بِمَعْنَى: نَزَّلْنَاهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، آيَةً بَعْدَ آيَةٍ، وَقِصَّةً بَعْدَ قِصَّةِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا، الْقِرَاءَةُ الْأُولَى، لِأَنَّهَا الْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْحُجَّةُ مُجْمِعَةٌ، وَلَا يَجُوزُ خِلَافُهَا فِيمَا كَانَتْ عَلَيْهِ مُجْمِعَةٌ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالْقُرْآنِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَفَصَّلْنَاهُ قُرْآنًا، وَبَيِّنَّاهُ وَأَحْكَمْنَاهُ، لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
الصفحة 113