كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 15)

وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي الرَّقِيمِ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ: لَوْحٌ، أَوْ حُجْرٌ، أَوْ شَيْءٌ كُتِبَ فِيهِ كِتَابٌ. وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْأَخْبَارِ: إِنَّ ذَلِكَ لَوْحٌ كُتِبَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَخَبَرِهِمْ حِينَ أَوَوْا إِلَى الْكَهْفِ. ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: رُفِعَ ذَلِكَ اللَّوْحُ فِي خِزَانَةِ الْمَلِكِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ جُعِلَ عَلَى بَابِ كَهْفِهِمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ مَحْفُوظًا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ بَلَدِهِمْ. وَإِنَّمَا الرَّقْمُ: فَعِيلٌ. أَصْلُهُ: مَرْقُومٌ، ثُمَّ صُرِفَ إِلَى فَعِيلٍ، كَمَا قِيلَ لِلْمَجْرُوحِ: جَرِيحٌ، وَلِلْمَقْتُولِ: قَتِيلٌ، يُقَالُ مِنْهُ: رَقَمْتُ كَذَا وَكَذَا: إِذَا كَتَبْتُهُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّقْمِ فِي الثَّوْبِ رَقْمٌ، لِأَنَّهُ الْخَطُّ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ ثَمَنُهُ. وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْحَيَّةِ: أَرْقَمُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْآثَارِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: عَلَيْكَ بِالرَّقْمَةِ، وَدَعِ الضَّفَّةَ: بِمَعْنَى عَلَيْكَ بِرَقْمَةِ الْوَادِي حَيْثُ الْمَاءُ، وَدَعِ الضَّفَّةَ الْجَانِبَةَ. وَالضَّفَّتَانِ: جَانِبَا الْوَادِي. وَأَحْسِبُ أَنَّ الَّذِيَ قَالَ الرَّقِيمُ: الْوَادِي، ذَهَبَ بِهِ إِلَى هَذَا، أَعِنِّي بِهِ إِلَى رَقْمَةِ الْوَادِي
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف: 9] حِينَ أَوَى الْفِتْيَةُ أَصْحَابُ الْكَهْفِ إِلَى كَهْفِ الْجَبَلِ، هَرَبًا بِدِينِهِمْ إِلَى اللَّهِ، فَقَالُوا إِذْ آوَوْهُ: {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} [الكهف: 10] رَغْبَةً مِنْهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ، فِي أَنْ يَرْزُقَهُمْ مِنْ عِنْدِهِ رَحْمَةً. وَقَوْلُهُ: {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا

الصفحة 161