كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 15)

الْفِتْيَةِ الَّذِينَ أَوَوْا إِلَى الْكَهْفِ بِالْحَقِّ، يَعْنِي: بِالصِّدْقِ وَالْيَقِينِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ} [الكهف: 13] يَقُولُ: إِنَّ الْفِتْيَةَ الَّذِينَ أَوَوْا إِلَى الْكَهْفِ الَّذِينَ سَأَلَكَ عَنْ نَبَئِهِمُ الْمَلَأُ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ، فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] يَقُولُ: وَزِدْنَاهُمْ إِلَى إِيمَانِهِمْ بِرَبِّهِمْ إِيمَانًا، وَبَصِيرَةً بِدِينِهِمْ، حَتَّى صَبَرُوا عَلَى هِجْرَانِ دَارِ قَوْمِهِمْ، وَالْهَرَبِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ بِدِينِهِمْ إِلَى اللَّهِ، وَفِرَاقِ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ خَفْضِ الْعَيْشِ وَلِينِهِ، إِلَى خُشُونَةِ الْمُكْثِ فِي كَهْفِ الْجَبَلِ. وَقَوْلُهُ: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} [الكهف: 14] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَأَلْهَمْنَاهُمُ الصَّبْرَ، وَشَدَدْنَا قُلُوبَهُمْ بِنُورِ الْإِيمَانِ حَتَّى عَزَفَتْ أَنْفُسُهُمْ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ خَفْضِ الْعَيْشِ، كَمَا:
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {§وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} [الكهف: 14] يَقُولُ: بِالْإِيمَانِ
§وَقَوْلُهُ: {إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} يَقُولُ: حِينَ قَامُوا بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ دقينوس، فَقَالُوا لَهُ إِذْ عَاتَبَهُمْ عَلَى تَرْكِهِمْ عِبَادَةَ آلِهَتِهِ: {رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} يَقُولُ: قَالُوا رَبُّنَا مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا مِنْ شَيْءٍ، وَآلِهَتُكَ مَرْبُوبَةٌ، وَغَيْرُ جَائِزٍ لَنَا أَنْ نَتْرُكَ عِبَادَةَ الرَّبِّ وَنَعْبُدَ الْمَرْبُوبَ {لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا} [الكهف: 14] يَقُولُ: لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَهًا، لِأَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَإِنَّ كُلَّ مَا دُونَهُ فَهُوَ خَلْقُهُ. {لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف: 14] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَئِنْ دَعَوْنَا إِلَهًا غَيْرَ إِلَهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لَقَدْ قُلْنَا إِذَنْ بِدُعَائِنَا غَيْرَهُ

الصفحة 179