كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 15)
وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اجْتُزِئَ بِمَا ظَهَرَ عَمَّا حُذِفَ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} [الكهف: 15] فَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي عَلَيْهِمْ مِنْ ذِكْرِ الْآلِهَةِ، وَالْآلِهَةُ لَا يُؤْتَى عَلَيْهَا بِسُلْطَانٍ، وَلَا يَسْأَلُ السُّلْطَانُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يُسْأَلُ عَابِدُوهَا السُّلْطَانَ عَلَى عِبَادَتِهِمُوهَا، فَمَعْلُومٌ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَى عِبَادَتِهِمُوهَا، وَاتِّخَاذِهِمُوهَا آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى السُّلْطَانِ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {§لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} [الكهف: 15] يَقُولُ: بِعُذْرٍ بَيِّنٍ وَعَنَى بِقَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الأنعام: 144] وَمَنْ أَشَدُّ اعْتِدَاءً وَإِشْرَاكًا بِاللَّهِ، مِمَّنِ اخْتَلَقَ، فَتَخَرَّصَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، وَأَشْرَكَ مَعَ اللَّهِ فِي سُلْطَانِهِ شَرِيكًا يَعْبُدَهُ دُونَهُ، وَيَتَّخِدُهُ إِلَهًا
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهُ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا} [الكهف: 16] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ بَعْضِ الْفِتْيَةِ لِبَعْضٍ: وَإِذَا اعْتَزَلْتُمْ أَيُّهَا الْفِتْيَةُ قَوْمَكُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً {وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} [الكهف: 16] يَقُولُ: وَإِذَا اعْتَزَلْتُمْ قَوْمَكُمُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ مِنَ الْآلِهَةِ سِوَى اللَّهِ، فَـ «مَا» إِذْ كَانَ ذَلِكَ -[182]- مَعْنَاهُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا لَهَا عَلَى الْهَاءِ، وَالْمِيمِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ} [الكهف: 16] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
الصفحة 181