كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 15)

وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ {إِنَّهُ} [البقرة: 37] مِنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَسْمَعُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِيهَا لَغْوًا، وَهُوَ الْهَذْي وَالْبَاطِلُ مِنَ الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ {إِلَّا سَلَامًا} [مريم: 62] وَهَذَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، وَمَعْنَاهُ: وَلَكِنْ يَسْمَعُونَ سَلَامًا، وَهُوَ تَحِيَّةُ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُمْ. وَقَوْلُهُ: {وَلَهُمْ رَزَقَهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62] يَقُولُ: وَلَهُمْ طَعَامُهُمْ وَمَا يَشْتَهُونَ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ فِي قَدْرِ وَقْتِ الْبُكْرَةِ وَوَقْتِ الْعَشِيِّ مِنْ نَهَارِ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا يَعْنِي أَنَّ الَّذِيَ بَيْنَ غَدَائِهِمْ وَعَشَائِهِمْ فِي الْجَنَّةِ قَدْرُ مَا بَيْنَ غَدَاءِ أَحَدِنَا فِي الدُّنْيَا وَعَشَائِهِ، وَكَذَلِكَ مَا بَيْنَ الْعَشَاءِ وَالْغَدَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا لَيْلُ فِي الْجَنَّةِ وَلَا نَهَارٌ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] وَ {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} يَعْنِي بِهِ: مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا
كَمَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ زُهَيْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {§وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62] قَالَ: لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ لَيْلٌ، هُمْ فِي نُورٍ أَبَدًا، وَلَهُمْ مِقْدَارُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، يَعْرِفُونَ مِقْدَارَ اللَّيْلِ بِإِرْخَاءِ الْحُجُبِ وَإِغْلَاقِ الْأَبْوَابِ، وَيَعْرِفُونَ مِقْدَارَ النَّهَارِ بِرَفْعِ الْحُجُبِ، وَفَتْحِ -[577]- الْأَبْوَابِ

الصفحة 576