كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 15)

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ {§لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} [مريم: 64] مِنَ الْآخِرَةِ {وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] مِنَ الدُّنْيَا {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} [مريم: 64] مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {§مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} [مريم: 64] مِنَ الْآخِرَةِ {وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] مِنَ الدُّنْيَا وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا:
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، {§مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} [مريم: 64] قَالَ: مَا مَضَى أَمَامَنَا مِنَ الدُّنْيَا {وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] مَا يَكُونُ بَعْدَنَا مِنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} [مريم: 64] قَالَ: مَا بَيْنَ مَا مَضَى أَمَامَهُمْ، وَبَيْنَ مَا يَكُونُ بَعْدَهُمْ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} [مريم: 64] قَبْلَ أَنْ نُخْلَقَ {وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] بَعْدَ الْفِنَاءِ {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} [مريم: 64] حِينَ كُنَّا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَجِئْ وَهُوَ جَاءٍ، فَهُوَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَإِنَّ الْأَغْلَبَ فِي اسْتِعْمَالِ النَّاسِ إِذَا قَالُوا: هَذَا الْأَمْرَ بَيْنَ يَدَيْكَ، أَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهِ مَا لَمْ يَجِئْ، وَأَنَّهُ جَاءٍ، فَلِذَلِكَ قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ. وَمَا خَلْفَنَا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، -[584]- وَذَلِكَ مَا قَدْ خَلَّفُوهُ فَمَضَى، فَصَارَ خَلْفَهُمْ بِتَخْلِيفِهِمْ إِيَّاهُ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ الْعَرَبُ لِمَا قَدْ جَاوَزَهُ الْمَرْءُ وَخَلَّفَهُ هُوَ خَلْفَهُ، وَوَرَاءَهُ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ: مَا بَيْنَ مَا لَمْ يَمْضِ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي بَيْنَ ذَيْنِكَ الْوَقْتَيْنِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الظَّاهِرُ الْأَغْلَبُ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ مَعَانِيهِ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ. فَتَأَمَّلِ الْكَلَامَ إِذَنْ: فَلَا تَسْتَبْطِئْنَا يَا مُحَمَّدُ فِي تَخَلُّفِنَا عَنْكَ، فَإِنَّا لَا نَتَنَزَّلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَنَا بِالنُّزُولِ إِلَيْهَا، لِلَّهِ مَا هُوَ حَادِثٌ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ الَّتِي لَمْ تَأْتِ وَهِيَ آتِيَةٌ، وَمَا قَدْ مَضَى فَخَلَّفْنَاهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَمَا بَيْنَ وَقْتِنَا هَذَا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ. بِيَدِهِ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَهُوَ مَالِكُهُ وَمُصَرِّفُهُ، لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ غَيْرُهُ، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُحْدِثَ فِي سُلْطَانِهِ أَمْرًا إِلَّا بِأَمْرِهِ إِيَّانَا بِهِ. {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] يَقُولُ: وَلَمْ يَكُنْ رَبُّكَ ذَا نِسْيَانٍ، فَيَتَأَخَّرُ نُزُولِي إِلَيْكَ بِنِسْيَانِهِ إِيَّاكَ بَلْ هُوَ الَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ فَتَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَكِنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُدَبِّرُ وَيَقْضِي فِي خَلْقِهِ. جَلَّ ثَنَاؤُهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ

الصفحة 583