كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 15)

غَيْرِ شَيْءٍ {وَلَمْ يَكُ} [النحل: 120] مِنْ قَبْلِ إِنْشَائِهِ إِيَّاهُ {شَيْئًا} [البقرة: 48] فَيَعْتَبِرُ بِذَلِكَ وَيَعْلَمُ أَنَّ مَنْ أَنْشَأَهُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ لَا يَعْجَزُ عَنْ إِحْيَائِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَإِيجَادِهِ بَعْدَ فَنَائِهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ} [مريم: 67] فَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: {أَوَلَا يَذْكُرُ} [مريم: 67] بِتَخْفِيفِ الذَّالِ، وَقَدْ قَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْحِجَازِ: (أَوَلَا يَذَّكَّرُ) بِتَشْدِيدِ الذَّالِ وَالْكَافِ، بِمَعْنَى: أَوَلَا يَتَذَكَّرُ، وَالتَّشْدِيدُ أَعْجَبُ إِلَيَّ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى جَائِزَةً، لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَوَلَا يَتَفَكَّرُ فَيَعْتَبِرُ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} [مريم: 68] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَوَرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ لَنَحْشُرَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ: أَئِذَا مِتْنَا لَسَوْفَ نُخْرَجُ أَحْيَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُبُورِهِمْ، مُقْرَنِينَ بِأَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} [مريم: 68] وَالْجِثِيُّ: جَمْعُ الْجَاثِي
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {§ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} [مريم: 68] يَعْنِي: الْقُعُودَ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية: 28]
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [مريم: 69]-[588]- يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، ثُمَّ لَنَأْخُذَنَّ مِنْ كُلِّ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَشَدَّهُمْ عَلَى اللَّهِ عُتُوًّا وَتَمَرُّدًا فَلَنَبْدَأُ بِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ

الصفحة 587