كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 15)

يَعْنِي: الْمَنْظَرَ الْحَسَنَ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: (وَرِيًّا) غَيْرَ مَهْمُوزٍ، وَذَلِكَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ يَتَوَجَّهُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَارِئُهُ أَرَادَ الْهَمْزَةَ، فَأَبْدَلَ مِنْهَا يَاءً، فَاجْتَمَعَتِ الْيَاءُ الْمُبْدَلَةُ مِنَ الْهَمْزِ وَالْيَاءِ الَّتِي هِيَ لَامُ الْفِعْلِ، فَأُدْغِمَتَا، فَجُعِلَتَا يَاءً وَاحِدَةً مُشَدَّدَةً لِيَلْحَقُوا ذَلِكَ، إِذْ كَانَ رَأْسَ آيَةٍ، بِنَظَائِرِهِ مِنْ سَائِرِ رُءُوسِ الْآيَاتِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَوَيْتُ أَرْوِي رَوِيَّةً وَرِيًّا، وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ، هُمْ أَحْسَنُ مَتَاعًا، وَأَحْسَنُ نَظَرًا لِمَالِهِ، وَمَعْرِفَةً لَتَدْبِيرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: مَا أَحْسَنَ رُؤْيَةِ فُلَانٍ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِذَا كَانَ حَسَنَ النَّظَرِ فِيهِ وَالْمَعْرِفَةِ بِهِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ {وَرِئْيًا} [مريم: 74] بَهَمْزِهَا، بِمَعْنَى: رُؤْيَةِ الْعَيْنِ، كَأَنَّهُ أَرَادَ: أَحْسَنَ مَتَاعًا وَمَرْآةً. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَرَأَ: (أَحْسَنُ أَثَاثًا وَزِيًّا) بِالزَّايِ، كَأَنَّهُ أَرَادَ أَحْسَنَ مَتَاعًا وَهَيْئَةً وَمَنْظَرًا، وَذَلِكَ أَنَّ الزِيَّ هُوَ الْهَيْئَةُ وَالْمَنْظَرُ مِنْ قَوْلِهِمْ: زَيَيْتُ الْجَارِيَةَ، بِمَعْنَى: زَيَّنْتُهَا وَهَيَّأْتُهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ {أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مريم: 74] بِالرَّاءِ وَالْهَمْزِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: الْمَنْظَرُ، وَذَلِكَ هُوَ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ، لَا مِنَ الرُّؤْيَةِ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْمَهْمُوزُ أَوْلَى بِهِ، فَإِنْ قَرَأَ قَارِئٌ ذَلِكَ بِتَرْكِ اِلْهَمْزِ، وَهُوَ

الصفحة 613