كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 15)

الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا} [مريم: 76] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَزِيدُ اللَّهُ مَنْ سَلَكَ قَصْدَ الْمَحَجَّةِ، وَاهْتَدَى لِسَبِيلِ الرُّشْدِ، فَآمَنَ بِرَبِّهِ، وَصَدَّقَ بِآيَاتِهِ، فَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ هُدًى بِمَا يَتَجَدَّدُ لَهُ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْفَرَائِضِ الَّتِي يَفْرِضُهَا عَلَيْهِ. وَيُقِرُّ بِلُزُومِ فَرْضِهَا إِيَّاهُ، وَيَعْمَلُ بِهَا، فَذَلِكَ زِيَادَةٌ مِنَ اللَّهِ فِي اهْتِدَائِهِ بِآيَاتِهِ هُدًى عَلَى هَدَاهُ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124] . وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى بِنَاسِخٍ الْقُرْآنَ وَمَنْسُوخِهِ، فَيُؤْمِنُ بِالنَّاسِخِ، كَمَا آمَنَ مِنْ قَبْلُ بِالْمَنْسُوخِ، فَذَلِكَ زِيَادَةُ هُدًى مِنَ اللَّهِ لَهُ عَلَى هَدَاهُ مِنْ قَبْلُ {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا} [الكهف: 46] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالْأَعْمَالُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ وَرَضِيَهَا مِنْهُمْ. الْبَاقِيَاتُ لَهُمْ غَيْرُ الْفَانِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ جَزَاءً لِأَهْلِهَا {وَخَيْرٌ مَرَدًّا} [مريم: 76] عَلَيْهِمْ مِنْ مَقَامَاتِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ، وَأَنْدِيَتِهِمُ الَّتِي يَفْتَخِرُونَ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ، وَدَلَّلْنَا عَلَى الصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: §جَلَسَ -[617]- النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَخَذَ عُودًا يَابِسًا، فَحَطَّ وَرَقَهُ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ قَوْلَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ، تَحُطُّ الْخَطَايَا، كَمَا تَحُطُّ وَرَقَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الرِّيحُ، خُذْهُنَّ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ قَبْلَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُنَّ، هُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ، وَهُنَّ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ» ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءٍ إِذَا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ: لِأُهَلِّلَنَّ اللَّهَ وَلَأُكَبِّرَنَّ اللَّهَ، وَلَأُسَبِّحَنَّ اللَّهَ، حَتَّى إِذَا رَآنِي الْجَاهِلُ حَسِبَ أَنِّي مَجْنُونٌ

الصفحة 616