كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 15)

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {§أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم: 77] فَذَكَرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَوْا رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَتَقَاضَوْنَهُ دَيْنًا، فَقَالَ: أَلَيْسَ يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ أَنَّ فِيَ الْجَنَّةِ حَرِيرًا وَذَهَبًا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ فَمِيعَادُكُمُ الْجَنَّةَ، فَوَاللَّهِ لَا أُومِنُ بِكِتَابِكُمُ الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ، اسْتِهْزَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ، وَلَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا. يَقُولُ اللَّهُ: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ: §كُنْتُ قَيْنًا بِمَكَّةَ، فَكُنْتُ أَعْمَلُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، فَاجْتَمَعَتْ لِي عَلَيْهِ دَرَاهِمُ، فَجِئْتُ لِأَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ لِي: لَا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، قَالَ: قُلْتُ: لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ، قَالَ: فَإِذَا بُعِثْتُ كَانَ لِي مَالٌ وَوَلَدٌ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم: 77] . . إِلَى {وَيَأْتِينَا فَرْدًا} [مريم: 80] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ {وَوَلَدًا} [الكهف: 39] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: {وَوَلَدًا} [الكهف: 39] بِفَتْحِ الْوَاوِ مِنَ الْوَلَدِ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ خَصَّ الَّتِي فِي سُورَةِ نُوحٍ بِالضَّمِّ، فَقَرَأَهَا: (مَالُهُ -[620]- وَوُلْدُهُ) وَأَمَّا عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ غَيْرَ عَاصِمٍ، فَإِنَّهُمْ قَرَءُوا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ قَوْلِهِ: {مَالًا وَوَلَدًا} [الكهف: 39] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَاللَّتَيْنِ فِي الزُّخْرُفِ، وَالَّتِي فِي نُوحٍ، بِالضَّمِّ وَسُكُونِ اللَّامِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا ضُمَّتْ وَاوُهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ضَمُّهَا وَفَتْحُهَا وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا هُمَا لُغَتَانِ، مِثْلُ قَوْلِهِمُ الْعُدْمُ وَالْعَدَمُ، وَالْحُزْنُ وَالْحَزَنُ. وَاسْتَشْهَدُوا لِقِيلِهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل]

فَلَيْتَ فُلَانًا كَانَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ... وَلَيْتَ فُلَانًا كانَ وُلْدَ حِمَارِ
وَيَقُولُ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:
[البحر الكامل]

وَلَقَدْ رَأَيْتُ مَعَاشِرًا ... قَدْ ثَمَّرُوا مَالًا وَوُلْدَا
وَقَوْلُ رُؤْبَةَ:
[البحر الرجز]

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ فَرْدَا
لَمْ يَتَّخِذْ مِنْ وُلْدِ شَيْءٍ وُلْدَا
وَتَقُولُ الْعَرَبُ فِي مِثْلِهَا: وُلْدُكِ مَنْ دَمَّى عَقِبَيْكِ، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ وَاحِدٌ، بِمَعْنَى الْوَلَدِ. وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّ قَيْسًا تَجْعَلُ الْوَلَدَ جَمْعًا، وَالْوَلَدَ وَاحِدًا. وَلَعَلَّ الَّذِينَ -[621]- قَرَءُوا ذَلِكَ بِالضَّمِّ فِيمَا اخْتَارُوا فِيهِ الضَّمَّ، إِنَّمَا قَرَءُوهُ كَذَلِكَ لَيُفَرِّقُوا بَيْنَ الْجَمْعِ وَالْوَاحِدِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْفَتْحَ فِي الْوَاوِ مِنَ الْوَلَدِ وَالضَّمِّ فِيهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُمَا لُغَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ، غَيْرَ أَنَّ الْفَتْحَ أَشْهَرُ اللُّغَتَيْنِ فِيهَا. فَالْقِرَاءَةُ بِهِ أَعْجَبُ إِلَيَّ لِذَلِكَ

الصفحة 619