كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 15)
مِنَ الضَّلَالَةِ، وَيُبَصَّرُ بِهِ مِنَ الْعَمَى لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لَهُمْ دُونَ الْكَافِرِينَ بِهِ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، وَيُحِلُّونَ حَلَالَهُ، وَيُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ فَيُدْخِلُهُمْ بِذَلِكَ الْجَنَّةَ، وَيُنَجِّيهِمْ مِنْ عَذَابِهِ، فَهُوَ لَهُمْ رَحْمَةٌ وَنِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ، أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ {وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82] يَقُولُ: وَلَا يَزِيدُ هَذَا الَّذِي نُنَزِّلُ عَلَيْكَ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَافِرِينَ بِهِ إِلَّا خَسَارًا: يَقُولُ: إِهْلَاكًا، لِأَنَّهُمْ كُلَّمَا نَزَلَ فِيهِ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ بِشَيْءٍ أَوْ نَهْي عَنْ شَيْءٍ كَفَرُوا بِهِ، فَلَمْ يَأْتَمِرُوا لِأَمْرِهِ، وَلَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ، فَزَادَهُمْ ذَلِكَ خَسَارًا إِلَى مَا كَانُوا فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْخَسَارِ، وَرِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ قَبْلُ، كَمَا:
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {§وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] إِذَا سَمِعَهُ الْمُؤْمِنُ انْتَفَعَ بِهِ وَحَفِظَهُ وَوَعَاهُ {وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ} [الإسراء: 82] بِهِ {إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82] أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَحْفَظُهُ وَلَا يَعِيهِ، وَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ هَذَا الْقُرْآنَ شِفَاءً وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا أَنْعَمَنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا} يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَإِذَا أَنْعَمَنَا عَلَى الْإِنْسَانِ، فَنَجَّيْنَاهُ مِنْ رَبِّ مَا هُوَ فِيهِ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ مَا قَدْ أَشْرَفَ فِيهِ عَلَيْهِ مِنَ الْهَلَاكِ بِعُصُوفِ الرِّيحِ عَلَيْهِ إِلَى الْبَرِّ، -[64]- وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ نِعَمِنَا، أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِنَا، وَقَدْ كَانَ بِنَا مُسْتَغِيثًا دُونَ كُلِّ أَحَدٍ سِوَانَا فِي حَالِ الشِّدَّةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [الإسراء: 83] يَقُولُ: وَبَعُدَ مِنَّا بِجَانِبِهِ، يَعْنِي بِنَفْسِهِ، كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ، كَمَا:
الصفحة 63